الفائدة الثالثة والسبعون

QR code
د. عمر بن عبد الله المقبل
تاريخ التحديث: 2014-06-27 21:07:04

الفائدة الثالثة والسبعون:

قال ابن العربي رحمه الله في كتابه [أحكام القرآن: (1/ 248)]:

أخبرني محمد بن قاسم العثماني غير مرة: وصلت الفسطاط مرة، فجئت مجلس الشيخ أبي الفضل الجوهري، وحضرت كلامه على الناس، فكان مما قال في أول مجلس جلست إليه:

إن النبي - صلى الله عليه وسلم - طلق وظاهر وآلى! فلما خرج تبِعتُه حتى بلغتُ معه إلى منزله في جماعة، فجلس معنا في الدهليز، وعرّفهم أمري، فإنه رأى إشارة الغربة ولم يعرف الشخص قبل ذلك في الواردين عليه، فلما انفض عنه أكثرهم قال لي: أراك غريباً، هل لك من كلام؟ قلت: نعم؛ قال لجلسائه: أفرجوا له عن كلامه.

فقاموا وبقيت وحدي معه، فقلت له: حضرت المجلس اليوم متبركاً بك، وسمعتك تقول: آلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصدقتَ، وطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصدقتَ.

وقلتَ: وظاهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا لم يكن! ولا يصح أن يكون! لأن الظهار منكر من القول وزور! وذلك لا يجوز أن يقع من النبي - صلى الله عليه وسلم -!

فضمني إلى نفسه وقبّل رأسي، وقال لي: أنا تائب من ذلك، جزاك الله عني من معلم خيراً، ثم انقلبت عنه، وبَكرت إلى مجلسه في اليوم الثاني، فألفيته قد سبقني إلى الجامع، وجلس على المنبر، فلما دخلت من باب الجامع ورآني نادى بأعلى صوته: مرحباً بمعلمي! أفسحوا لمعلمي؛ فتطاولتْ الأعناق إلي، وحدّقت الأبصار نحوي، وتعرفني: يا أبا بكر! - يشير إلى عظيم حيائه، فإنه كان إذا سلّم عليه أحد أو فاجأه خجل لعظيم حيائه، واحمر حتى كأن وجهه طلي بجلنار - قال: وتبادر الناس إلي يرفعونني على الأيدي ويتدافعوني حتى بلغت المنبر، وأنا لعظم الحياء لا أعرف في أي بقعة أنا من الأرض! والجامع غاص بأهله، وأسال الحياء بدني عرقاً!

وأقبل الشيخ على الخلق، فقال لهم: أنا معلمكم، وهذا معلمي! لما كان بالأمس قلت لكم: آلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطلق، وظاهر؛ فما كان أحد منكم فقه عني ولا رد علي، فاتبعني إلى منزلي، وقال لي: كذا وكذا... - وأعاد ما جرى بيني وبينه - وأنا تائب عن قولي بالأمس، وراجع عنه إلى الحق، فمن سمعه ممن حضر فلا يعول عليه، ومن غاب فليبلغه من حضر، فجزاه الله خيراً، وجعل يحفل في الدعاء، والخلق يؤمّنون.

علّق ابن العربي قائلاً:

فانظروا رحمكم الله إلى هذا الدين المتين! والاعتراف بالعلم لأهله على رءوس الملإ من رجل ظهرت رياسته، واشتهرت نفاسته؛ لغريب مجهول العين لا يعرف مَن ولا مِن أين؛ فاقتدوا به ترشدوا.

  • الكلمات الدالة
4953 زائر
0 | 0

روابط ذات صلة
إن للحافظ ابن رجب : (ت: 795هـ) كتاباً بديعاً حافلاً بالفوائد، اسماه "لطائف المعارف"، جمع فيه من العلوم والفوائد المتعلقة بالشهور والأيام ما تَقرّ به عينُ طالب العلم، وراغب الفائدة. ومِن جملة هذه الفصول التي تحدث فيها؛... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:25:00
د. عمر بن عبد الله المقبل
أيها الإخوة في الله: إن نهاية الأعوام، وبداية السنوات لها في النفس أثرٌ معنوي، ودلالات معينة، وهي تختلف من شخص لآخر بحسب دينه، وبحسب نظرته للحياة، إلا أن المسلم الفطن -وهو يعيش أواخر عام وبدايات آخر- يتعامل مع هذه... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:24:07
د. عمر بن عبد الله المقبل
ففي مثل هذه الأيام من كل عام تتوارد الأسئلةُ على أهل العلم عن حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد. وكالعادة - في مثل هذه المسائل التي لا نص فيها- يقع الاختلاف بين أهل العلم، والأمر إلى هذا الحد مقبول؛ لكن أن يجعل ذلك من... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:23:36
أ.د. عمر بن عبدالله المقبل
إن المقام ليس مقام حديثٍ عن مزايا هذا التاريخ، بل هي نفثة مصدور مما أراه من استفحال التعلق بالتاريخ الميلادي إلى درجة ربط الشعائر الدينية به! ولو تأمل الإخوةُ -الذين يضعون تلك الوسوم (الهاشتاقات)- ما فيها من التناقض... المزيد
التاريخ: 28/12/1440هـ الموافق: 2019-08-29 06:54:23
د. عمر بن عبدالله المقبل
ومن المهم جداً ـ ونحن نتحدث عن هذه الصور وغيرها كثير ـ أن يكون أداؤها وفعلُها بلا مِنّة، بل بنفْسٍ منشرحة، تشعر بأن المنَّة كلَّها لله؛ أن جعل يدَه هي العليا المنفقة الباذلة، وأن يستشعر أنه لولا فضلُ الله لكان في مكان... المزيد
التاريخ: 29/11/1440هـ الموافق: 2019-08-01 07:42:10
د. عمر بن عبد الله المقبل
لقد طُرِقتْ هذه المسألةُ كثيراً، لكن مع تكرُّر الشكوى من المصائب، وتجدد الهمومِ والمنغّصات؛ كان تقريبُ كيفية تلقّي هذه الأقدار المؤلمة مِن الأهمية بمكان، مستفيداً من نصوص الوحيين، وكلام العلماء والعقلاء، وقد نظمتُها... المزيد
التاريخ: 18/11/1440هـ الموافق: 2019-07-21 08:25:37
التعليقات