الفائدة الرابعة والستون:
[البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب: (1/ 284)]:
وخرج في دولة عبيد الله شيخٌ للسفر، ومعه خيل فباتوا في مسجد بخيولهم، فقيل لهم: (كيف تدخلون خيولكم المسجد؟!) فقال لهم الشيخ وأصحابه: (إن أرواثها وأبوالها طاهرة! لأنها خيل المهدي) فقال لهم القيّم في المسجد: (إن الذي يخرج من المهدي نجس! فكيف الذي يخرج من خيله!!) فقالوا له: (طعنت على المهدي)! وأخذوه وذهبوا به إليه؛ فأخرجه عشية جمعة فقتله!
فلما قرّب للموت، دعا عليه فأجاب الله دعاءه فامتحنه بعِلة قبيحة يقال لها: حَب القرع؛ وهي دود على صورة حب القرع في آخر مخرجه، تأكل أحشائه وما والاها! فكان يؤتى بأذناب الكباش العظيمة فيدخلها في نفسه لتشتغل عنه الدود بها؛ فيجد لذلك بعض راحة لشغلها بالأذناب! ثم يخرج الأذناب وقد هتكتها الدود، ويدخل أخرى في دبره! ثم لم تزل الدود تأكل حتى انقطعت مذاكره وهلك!
ولما هلك أتي بابن أخت الغساني المقرئ ليقرأ عند رأسه، وكان من أطيب الناس قراءة، وحل عبيد الله أبناءه يبكون عليه، فقال البغدادي للغساني: (أقرأ) قال: فطلبت ما أقرأ من القرآن فلم أتذكر منه إلا قوله تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ...}[هود: 98] إلى آخر الآية! قال: فطلبت غير هذه الآية أقرأه فلم أقدر! فكنت أرددها حتى خشيت على نفسي أن يفيقوا من بكائهم فيتأملون قراءتي فيقتلوني! فتسللت وخرجت.