الفائدة الثالثة والستون: لا حدّ لأثر الإخلاص

QR code
د. عمر بن عبد الله المقبل
تاريخ التحديث: 2014-06-27 21:01:49

الفائدة الثالثة والستون: لا حدّ لأثر الإخلاص!

(وأتذكر أنّه في زمن سيطرة الاتحاد السوفييتي على بلدان المسلمين في وسط آسيا (الجمهوريات الإسلامية)، كانت تأتينا أنباء من بعض من كان يزور تلك الديار ذات الجدار الحديدي؛ أنّ المساجد عُطّلت، وأصبحت قراءة القرآن وكتب الدين تُعَد جريمة يعاقب عليها القانون الشيوعي! وأنّ النّاس أُبعِدوا عن دينهم، ومُنِعوا من كتاب ربهم قسراً، ومع ذلك كانوا يدخلون الأقبية يتعلمون فيها القرآن، وكنت أسمعه كضرب من الأساطير!

وفي حجّ عام 1416هـ كنت والشيخ طلال بن أحمد العقيل، والدكتور رضوان بن حسن الرضوان مع سماحة شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله؛ في زيارته المعتادة التي كان يقوم بها كل عام قبل وبعد الحجّ؛ ليلتقي حجاج الخارج في المطار، وزرنا حجاج دولة من الدول الإسلامية التي خرجت للتو من نير السيطرة السوفييتية، وكانوا قد نزلوا من طائرتهم ينتظرون إنهاء إجراءات جوازاتهم، وكان جمهورهم من كبار السن الذين شابت لحاهم، فطلب الشيخُ مترجماً؛ فوجدنا أحد المطوفين الذين يتكلمون لغتهم لكنه لا يجيدها، وبدأ الشيخ حديثه معهم في بيان توحيد الربوبية الذي ولج منه إلى تقرير الألوهية، ولم يرُعنا إلا صوت شاب يركض من بعيد، وينادي بصوته: أنا أترجم .. أنا أترجم! فأعطاه مكبر الصوت، وبدأ يترجم ويتكلم بطلاقة، ورأينا المستمعين يبدو عليهم التأثر أكثر، وبعد أن فرغ الشيخ، أقبل على الشيخ يسأل: من الشيخ؟ فرد الشيخ مبتسماً: محمد بن عثيمين. وإذا بالشاب ينظر إلى الشيخ باندهاش، ويقول بصوت عال: الشيخ محمد؟! قال: نعم. قال: ابن صالح؟! قال: نعم. قال: ابن عثيمين؟! قال الشيخ: نعم. وإذا بالشاب يضم الشيخ ويقبل رأسه ويبكي! ثم قال للشيخ: يا شيخ! أتأذن لي أن أبلغهم، من أنت؟ قال الشيخ: نعم.

وكان الشيخ ونحن معه في دهشة من أمره، فأخذ الشاب مكبر الصوت وحدثهم بكلام لم نفهم منه إلاّ اسم الشيخ، ولقد كان منظراً مؤثراً تأثرنا به جميعاً، حين رأينا الشاب يخبرهم وهو فرح متأثر، وما إن ختم كلامه حتى رأينا أصوات بكاء الحجاج، واللحى قد خُضبت بالدموع، وقاموا يصطفون أمام الشيخ - وهذا زاد من دهشتنا - فالتفت الشابُّ إلى الشيخ وقال: يا شيخ! هؤلاء كلهم طلابك! لقد كانوا يقرؤون القرآن، ويتفقهون على كتبك وبرامجك الإذاعية في الأقبية تحت الأرض! يا شيخ! كلهم يعرفونك، ولكنهم لم يروك، وقد بكوا فرحاً برؤياك! وهم يستأذنونك في السلام عليك؛ ثم سلموا على الشيخ، وانصرفنا.

جزء من مقال للدكتور أحمد الحمدان:


  • الكلمات الدالة
4409 زائر
0 | 0

روابط ذات صلة
إن للحافظ ابن رجب : (ت: 795هـ) كتاباً بديعاً حافلاً بالفوائد، اسماه "لطائف المعارف"، جمع فيه من العلوم والفوائد المتعلقة بالشهور والأيام ما تَقرّ به عينُ طالب العلم، وراغب الفائدة. ومِن جملة هذه الفصول التي تحدث فيها؛... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:25:00
د. عمر بن عبد الله المقبل
أيها الإخوة في الله: إن نهاية الأعوام، وبداية السنوات لها في النفس أثرٌ معنوي، ودلالات معينة، وهي تختلف من شخص لآخر بحسب دينه، وبحسب نظرته للحياة، إلا أن المسلم الفطن -وهو يعيش أواخر عام وبدايات آخر- يتعامل مع هذه... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:24:07
د. عمر بن عبد الله المقبل
ففي مثل هذه الأيام من كل عام تتوارد الأسئلةُ على أهل العلم عن حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد. وكالعادة - في مثل هذه المسائل التي لا نص فيها- يقع الاختلاف بين أهل العلم، والأمر إلى هذا الحد مقبول؛ لكن أن يجعل ذلك من... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:23:36
أ.د. عمر بن عبدالله المقبل
إن المقام ليس مقام حديثٍ عن مزايا هذا التاريخ، بل هي نفثة مصدور مما أراه من استفحال التعلق بالتاريخ الميلادي إلى درجة ربط الشعائر الدينية به! ولو تأمل الإخوةُ -الذين يضعون تلك الوسوم (الهاشتاقات)- ما فيها من التناقض... المزيد
التاريخ: 28/12/1440هـ الموافق: 2019-08-29 06:54:23
د. عمر بن عبدالله المقبل
ومن المهم جداً ـ ونحن نتحدث عن هذه الصور وغيرها كثير ـ أن يكون أداؤها وفعلُها بلا مِنّة، بل بنفْسٍ منشرحة، تشعر بأن المنَّة كلَّها لله؛ أن جعل يدَه هي العليا المنفقة الباذلة، وأن يستشعر أنه لولا فضلُ الله لكان في مكان... المزيد
التاريخ: 29/11/1440هـ الموافق: 2019-08-01 07:42:10
د. عمر بن عبد الله المقبل
لقد طُرِقتْ هذه المسألةُ كثيراً، لكن مع تكرُّر الشكوى من المصائب، وتجدد الهمومِ والمنغّصات؛ كان تقريبُ كيفية تلقّي هذه الأقدار المؤلمة مِن الأهمية بمكان، مستفيداً من نصوص الوحيين، وكلام العلماء والعقلاء، وقد نظمتُها... المزيد
التاريخ: 18/11/1440هـ الموافق: 2019-07-21 08:25:37
التعليقات