يناير 1441هـ
قد
يبدو أن في العنوان تناقضا! وإذا كان التناقض من العيوب التي ينأى عنها العقلاء، فإن
عينك لا تكاد تخطئ صوراً منه في مواقع التواصل، ومن ذلك مسألة التأريخ بالأيام
والأشهر والسنوات، وتحديدا تأريخ عدد من المناسبات الدينية المرتبطة بالتاريخ
الهجري بالسنة الميلادية، كما تراه في بعض الوسوم: #رمضان_2017، #حج_2018، #عيد_الفطر_2019،
وأمثالها، في تتابع عجيب على هذا الخطأ، وأعجبُ منه استغرابُ بعضهم استنكارَ ثلةٍ من
الغيورين على تأريخ أمتهم هذا الخطأ العلمي والمنهجي، بدعوى أن التاريخ الميلادي
هو الأشهر والأكثر انتشارا!
إن
الحديث عن التأريخ هو حديث عن الهوية، والانسلاخ منه أو التخلي عنه، هو تخلٍ عن
جزء من الهوية، "وإن ضبطَ التوقيتِ من أصولِ إقامة نظامِ الأمة، ودفعِ الفوضى
عن أحوالها" كما يقول العلامة ابن عاشور([1]).
والتاريخُ
المرتبط بالأهلة -الذي اصطلح عليه بعد ذلك بالتاريخ الهجري - ليس كأي تاريخ! فهو
التاريخ الذي قدّره الله كونا وشرعا؛ ليس لهذه الأمة فحسب، بل لعامة الأمم، قال
تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا
فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ
حُرُم}([2]) [التوبة: 36]، فتأمل كلمة (عند الله) ثم ارفع رأسك فخراً
بانتسابك لهذا التاريخ، الذي ارتضاه ربك لعباده، ووضع عليه نظام هذه الأرض، التي جعلها
مقراً للبشر، وجعلَ شهورَ هذا التاريخ مواقيتَ للعالم كلهم كما في الآية الأخرى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ
لِلنَّاسِ} [البقرة: 189] فهي (للناس) جميعا، لا فرق بين عرب وعجم ذلك؛ ومِنْ هنا كان رمضانُ، والحجُ،
والأيامُ البيض، والعدةُ الشرعية للمطلقة والمتوفى عنها زوجها مرتبطةً بهذه الأشهر
القمرية، وهذا كما أنه الشرع، فهو الموافق ليسر هذه الشريعة، فالقمرُ بمختلف
منازله يشاهده الأعرابي في باديته، والمتحضر في مدينته، فيعرفون بداية الشهر
وانتصافه ونهايته بلا تكلف، وبآية محسوسة، بخلاف غيره من التواريخ.
إن
المقام ليس مقام حديثٍ عن مزايا هذا التاريخ، بل هي نفثة مصدور مما أراه من
استفحال التعلق بالتاريخ الميلادي إلى درجة ربط الشعائر الدينية به!
ولو
تأمل الإخوةُ -الذين يضعون تلك الوسوم (الهاشتاقات)- ما فيها من التناقض لتوقفوا عن
كتابتها! إذ كيف يربط شهرٌ أو يومٌ له مناسبته الشرعية بسنة لا ارتباط له بها
أساساً؟ وماذا سيصنع هؤلاء في بداية سنة 2031م أو 2032م حينما تكون بداية السنة
الميلادية في أثناء رمضان 1452هـ و1453هـ؟ هل سيجعلونها #رمضان_2030_2031 مثلاً؟!
أو في 1/1/2039م، الذي يصادف 6/12/1460هـ؟
إن
التعامل مع التاريخ الميلادي وإن دعت إليه الحاجة، فلا ينبغي أن يهيمن على تأريخ
أحداثنا ومناسباتنا، خاصة الشرعية منها، فإن التأريخ القمري (الهجري) من الدين،
وهو جزء من هويتنا الإسلامية.
ومما
يؤسف عليه أن ترى أجيالاً ناشئةً، لا تكاد تعرف تاريخها المرتبط بشعائر دينها وتاريخها
الإسلامي المجيد، ويزداد الألم حين يظن هذا الشاب أو تلك الفتاة أن ضبطهم للتأريخ
الميلادي نوعٌ من التحضر! وما عرفوا أن أوّل من يزدريهم هم أصحاب ذاك التاريخ!
وإذا
كان الرومان يهتمون بالتأريخ الميلادي لارتباطه بقضية دينية عندهم، فنحن أولى بالاعتزاز
بتاريخنا الذي ارتبط بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وسار على التأريخِ به سلفُ
هذه الأمة، الذين كانوا يعرفون التأريخ الميلادي وغيره، ولكنهم لا يذكرونه إلا
لحاجة، وفي حدود ضيقة([3]).
إن
المحافظة على التأريخ الذي يمثل هويتنا واجب شرعي وتعليمي واجتماعي، وليس شيئا
تراثيا متعلقا بفئة أو دولة سادت ثم بادت، والأمة التي لا تعتز بتاريخها لا تستحق الاحترام،
فضلا عن الريادة والتأثير.