الفائدة الثامنة والأربعون بعد المائة: ضعف القلب

QR code
د. عمر بن عبد الله المقبل
تاريخ التحديث: 2014-06-27 22:22:41

الفائدة الثامنة والأربعون بعد المائة:

قال ابن تيمية -رحمه الله-: "والمرض في القلب كالمرض في الجسد، فكما أن هذا هو إحالة عن الصحة والاعتدال من غير موت؛ فكذلك قد يكون في القلب مرض يُحيله عن الصحة والاعتدال من غير أن يموت القلب، سواء أَفْسَدَ إحساسَ القلب وإدراكَه، أو أَفْسَدَ عملَه وحركتَه.

وذلك -كما فسروه-: هو من ضعف الإيمان; إما بضعف علم القلب واعتقاده، وإما بضعف عمله وحركته، فيدخل فيه من ضعفُ تصديقه، ومن غلب عليه الجبن والفزع; فإن أدواء القلب -من الشهوة المحرمة والحسد والجبن والبخل وغير ذلك- كلها أمراض، وكذلك الجهل والشكوك والشبهات التي فيه.

وعلى هذا فقول: (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) [الأحزاب: 32] هو إرادة الفجور وشهوة الزنا كما فسروه به، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((وأيّ داءٍ أدوأُ من البخل))؟([1]) وقد جعل الله تعالى كتابَه شفاءً لما في الصدور، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما شِفاءُ العِيِّ السؤال)).([2])

وكان يقول في دعائه: ((اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء)).([3])

ولن يخاف الرجل غير الله إلا لمرض في قلبه كما ذكروا أن رجلاً شكا إلى أحمد بن حنبل خوفه من بعض الولاة فقال: "لو صححتَ لم تَخَفْ أحداً". أي: خوفك من أجل زوال الصحة من قلبك؛ ولهذا أوجب الله على عباده أن لا يخافوا حزب الشيطان; بل لا يخافون غيره تعالى فقال: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[آل عمران: 175] أي: يخوفكم أولياءَه. وقال لعموم بني إسرائيل تنبيهاً لنا: ﴿وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾[البقرة: 40].

["مجموع فتاويه": (٢٨/٤٤٨)].


([1]) حسّن العراقي إسناده في تخريج أحاديث الإحياء (ص: 1160)، وقال في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (9/ 315): رجاله رجال الصحيح غير شيخ الطبراني.

([2]) سنن أبي داود ح(336).

([3]) أخرجه الترمذي بلفظ: «اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق، والأعمال والأهواء»، وقال: «هذا حديث حسن غريب».

  • الكلمات الدالة
5591 زائر
0 | 0
المقال السابق

روابط ذات صلة
إن للحافظ ابن رجب : (ت: 795هـ) كتاباً بديعاً حافلاً بالفوائد، اسماه "لطائف المعارف"، جمع فيه من العلوم والفوائد المتعلقة بالشهور والأيام ما تَقرّ به عينُ طالب العلم، وراغب الفائدة. ومِن جملة هذه الفصول التي تحدث فيها؛... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:25:00
د. عمر بن عبد الله المقبل
أيها الإخوة في الله: إن نهاية الأعوام، وبداية السنوات لها في النفس أثرٌ معنوي، ودلالات معينة، وهي تختلف من شخص لآخر بحسب دينه، وبحسب نظرته للحياة، إلا أن المسلم الفطن -وهو يعيش أواخر عام وبدايات آخر- يتعامل مع هذه... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:24:07
د. عمر بن عبد الله المقبل
ففي مثل هذه الأيام من كل عام تتوارد الأسئلةُ على أهل العلم عن حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد. وكالعادة - في مثل هذه المسائل التي لا نص فيها- يقع الاختلاف بين أهل العلم، والأمر إلى هذا الحد مقبول؛ لكن أن يجعل ذلك من... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:23:36
أ.د. عمر بن عبدالله المقبل
إن المقام ليس مقام حديثٍ عن مزايا هذا التاريخ، بل هي نفثة مصدور مما أراه من استفحال التعلق بالتاريخ الميلادي إلى درجة ربط الشعائر الدينية به! ولو تأمل الإخوةُ -الذين يضعون تلك الوسوم (الهاشتاقات)- ما فيها من التناقض... المزيد
التاريخ: 28/12/1440هـ الموافق: 2019-08-29 06:54:23
د. عمر بن عبدالله المقبل
ومن المهم جداً ـ ونحن نتحدث عن هذه الصور وغيرها كثير ـ أن يكون أداؤها وفعلُها بلا مِنّة، بل بنفْسٍ منشرحة، تشعر بأن المنَّة كلَّها لله؛ أن جعل يدَه هي العليا المنفقة الباذلة، وأن يستشعر أنه لولا فضلُ الله لكان في مكان... المزيد
التاريخ: 29/11/1440هـ الموافق: 2019-08-01 07:42:10
د. عمر بن عبد الله المقبل
لقد طُرِقتْ هذه المسألةُ كثيراً، لكن مع تكرُّر الشكوى من المصائب، وتجدد الهمومِ والمنغّصات؛ كان تقريبُ كيفية تلقّي هذه الأقدار المؤلمة مِن الأهمية بمكان، مستفيداً من نصوص الوحيين، وكلام العلماء والعقلاء، وقد نظمتُها... المزيد
التاريخ: 18/11/1440هـ الموافق: 2019-07-21 08:25:37
التعليقات