الفائدة الثالثة والثلاثون بعد المائة: الحياء من الله...

QR code
د. عمر بن عبد الله المقبل
تاريخ التحديث: 2014-06-27 21:51:49

الفائدة الثالثة والثلاثون بعد المائة: الحياء من الله ومن الناس.

قال أبو عبد الله: والحياءُ حياءان: حياءٌ من الله، وحياءٌ من الناس، والذي هو أولى بالعبد الحياءُ من الله عز وجل، ولولا أن الله تعالى جعل الحياءَ من خلقه خُلُقاً كريماً لما كان أحدٌ غير الله يستوجب أن يُستَحَى منه؛ إذ لا مالكَ لنفعٍ ولا ضرٍ غيره، ولكنه أحبَّ أن يَستحي خَلقُه بعضُهم من بعض؛ فيستروا عيوبَهم منهم، فلا يفتضح بعضُهم عند بعض، فمِن الحياء من الله ما هو فرض، ومنه فضيلة ونافلة، وهو هائِجٌ عن المعرفة بعظمة الله وجلاله وقُدرته؛ لأنه إذا ثبت تعظيمُ الله في قلب العبد أورثه الحياءَ من الله، والهيبةَ له؛ فغلب على قلبِه ذِكر اطّلاع اللهِ العظيمِ، ونَظَرِه بعظمته وجلالِه إلى ما في قلبه وجوارحه، وذِكر المقامِ غداً بين يديه، وسؤاله إياه عن جميع أعمال قلبه وجوارحه، وذِكر دوام إحسانه إليه، وقلة الشكر منه لربه، فإذا غلب ذِكر هذه الأمور على قلبه هاجَ منه الحياءُ من الله فاستحى اللهَ أن يطّلع على قلبه وهو معتقدٌ لشيءٍ مما يكره، أو على جارحةٍ من جوارحه تتحرك بما يكره؛ فطهَّر قلبَه من كل معصية، ومنع جوارحه من جميع معاصيه، إذ فهم عنه قولَه: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}[يونس: 14] وقال: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ}[يونس: 61] وقال: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}[التوبة: 105] وقال منكرا على من استخف بنظره: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى}[العلق: 14].

["تعظيم قدر الصلاة" لمحمد بن نصر المروزي (2/ 825)].

  • الكلمات الدالة
5441 زائر
0 | 0
المقال السابق

روابط ذات صلة
إن للحافظ ابن رجب : (ت: 795هـ) كتاباً بديعاً حافلاً بالفوائد، اسماه "لطائف المعارف"، جمع فيه من العلوم والفوائد المتعلقة بالشهور والأيام ما تَقرّ به عينُ طالب العلم، وراغب الفائدة. ومِن جملة هذه الفصول التي تحدث فيها؛... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:25:00
د. عمر بن عبد الله المقبل
أيها الإخوة في الله: إن نهاية الأعوام، وبداية السنوات لها في النفس أثرٌ معنوي، ودلالات معينة، وهي تختلف من شخص لآخر بحسب دينه، وبحسب نظرته للحياة، إلا أن المسلم الفطن -وهو يعيش أواخر عام وبدايات آخر- يتعامل مع هذه... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:24:07
د. عمر بن عبد الله المقبل
ففي مثل هذه الأيام من كل عام تتوارد الأسئلةُ على أهل العلم عن حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد. وكالعادة - في مثل هذه المسائل التي لا نص فيها- يقع الاختلاف بين أهل العلم، والأمر إلى هذا الحد مقبول؛ لكن أن يجعل ذلك من... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:23:36
أ.د. عمر بن عبدالله المقبل
إن المقام ليس مقام حديثٍ عن مزايا هذا التاريخ، بل هي نفثة مصدور مما أراه من استفحال التعلق بالتاريخ الميلادي إلى درجة ربط الشعائر الدينية به! ولو تأمل الإخوةُ -الذين يضعون تلك الوسوم (الهاشتاقات)- ما فيها من التناقض... المزيد
التاريخ: 28/12/1440هـ الموافق: 2019-08-29 06:54:23
د. عمر بن عبدالله المقبل
ومن المهم جداً ـ ونحن نتحدث عن هذه الصور وغيرها كثير ـ أن يكون أداؤها وفعلُها بلا مِنّة، بل بنفْسٍ منشرحة، تشعر بأن المنَّة كلَّها لله؛ أن جعل يدَه هي العليا المنفقة الباذلة، وأن يستشعر أنه لولا فضلُ الله لكان في مكان... المزيد
التاريخ: 29/11/1440هـ الموافق: 2019-08-01 07:42:10
د. عمر بن عبد الله المقبل
لقد طُرِقتْ هذه المسألةُ كثيراً، لكن مع تكرُّر الشكوى من المصائب، وتجدد الهمومِ والمنغّصات؛ كان تقريبُ كيفية تلقّي هذه الأقدار المؤلمة مِن الأهمية بمكان، مستفيداً من نصوص الوحيين، وكلام العلماء والعقلاء، وقد نظمتُها... المزيد
التاريخ: 18/11/1440هـ الموافق: 2019-07-21 08:25:37
التعليقات