الفائدة الحادية والسبعون: طرائف من ترجمة النحوي أبي علقمة النميري النحوي:
ترجم له الصفدي في [الوافي بالوفيات: (20/ 48)]، وقد تبسمت كثيرا وأنا أقرأ هذه المواقف، فلعلي أن أدخل السرور عليك بهذه الطرائف.
الموقف الأول:
أتى أبو علقمة إلى أبي زلازل الحذاء، فقال: يا حذاء! احذ لي هذا النعل، فقال: وكيف تريد أن أحذوها؟ قال:
خصّر نطاقها، وغضّف معقبها، وأقبّ مقدمها، وعرّج ونْية الذؤبة بحزم، دون بلوغ الرصاف، وأنحل مخازم خزامها، وأوشك في العمل.
فقام أبو زلازل فتأبط متاعه! فقال أبو علقمة: إلى أين؟
إلى ابن القِرِّيّة - وهو من أئمة الفصاحة والبيان - ليفسر لي ما خفي علي من كلامك!
الموقف الثاني:
قال لغلامه يوماً: خذ من غريمنا هذا كفيلاً، ومن الكفيل أميناً، ومن الأمين زعيماً، ومن الزعيم عزيماً!
فقال الغلام للغريم: مولاي كثير الكلام، معك شيء؟! فأرضاه وخلاه.
فلما انصرف؛ قال: يا غلام!ما فعل غريمنا؟
قال: سقع!
قال: ويلك ما سقع؟
قال: بقع!
قال: ويلك ما بقع؟
قال: استقلع!
قال: ويلك ما استقلع؟
قال: انقلع!
قال: ويلك، لم طولت؟
قال: منك تعلمت.
الموقف الثالث:
ركب يوماً بغلا فوقف به على أبي عبد الرحمن القرشي، فقال: يا أبا علقمة! إن لبغلك هذا منظراً، فهل له مع هذا المنظر من خبر؟
فقال: أَوَ ما بلغك خبره؟ قال: لا! قال: خرجت عليه مرة من مصر، فقفز بي قَفْزةً إلى فلسطين، والثانية إلى الأردن، والثالثة إلى دمشق! فقال له أبو عبد الرحمن: تقدّم إلى أهلك بأن يدفنوه معك، فلعله يقفز بك الصراط!
الموقف الرابع:
استدعى يوماً حجاماً، فقال له: لا تعجل حتى أصف لك، ولاتكن كامرئ خالف ما أُمر به، ومال إلى غيره.
اشدد قصب المحاجم، وأرهف ظبة المشاريط، وأسرع الوضع، وعجّل النزع، وليكن شرطك وخزاً، ومصّك لهزاً، ولا تزدن آتياً، ولا تكرهن آبياً!
فوضع الحجام محاجمه في قفته، وقال: يا قوم! هذا رجل قد ثار به مرار! ولا ينبغي أن يخرج دمه في هذا الوقت! وانصرف.
الموقف الخامس:
قال يوماً لغلامه: أصعقت العتاريق؟ فقال له الغلام: زقفيلم!
فقال أبو علقمة: وما زقفيلم؟ فقال الغلام: وما صعقت العتاريق؟ قال: قلت لك: أصاحت الديوك؟
فقال الغلام: وأنا قلت لك: لم يَصِحْ منها شيء.