130.000 دقيقة قادمة (2/2)
ذكرتُ في الجزء الأول من هذه المقالة ضرورة العناية بالتربية على أهمية الوقت، وتنشئة الأسرة على هذا المعنى، وأشرتُ إلى أنه حتى نستفيد من الإجازة؛ لا بد من مراعاة أمرين:
أحدهما: أهمية تحديد هدف أو أكثر في الإجازة لتحقيقه، وذكرت بعضاً من فوائد تحديد الأهداف، وقلتُ في خاتمة المقالة: وثمة أمرٌ آخر لكي ننجح في تحقيق أهدافنا لا بد من توافره ووجوده، وهو الأمر الثاني الذي سيكون محور هذا الجزء الأخير من هذه الهمسات، وهو:
أنه يجب أن يكون البيت مهيئاً من الناحية النفسية والعاطفية بين الأبوين وبين بقية أفراد الأسرة؛ فإن الإبداع لا ينبت في بيئة مليئة بالصراخ الذي لا ينتهي بين الأبوين.. والتميز لا يظهر في بيت لا يقوم أفرادُه على احترام بعضهم البعض.
ماذا تتوقع من شاب أو شابة يرون والديهم في شجار ونزاع وصراخ من الطرفين أو أحدهما؟ وكيف تتصور شخصاً في مقتبل شبابه يحطِّم فيه والدُه أجنحة الإبداع التي بدأ الابن يطير بها بكلمات تجريح وإهانة؟!
لنكن واقعيين ـ أيها الآباء والمربون ـ ما الذي يرغب الابنَ في الجلوس في بيتٍ هذه بعض أحواله؟! وما الذي يجذب الابن إلى بيت جمع بين جفاف العواطف، وحرارة الصيف؟ فلا برامج مناسبة في البيت، ولا عواطف، ولا جو أسري جيد!!
لا خيل عندك تهديها ولا مالُ ** فليسعد النطق، إن لم يسعد الحالُ!
إن الملاحظ أن كثيراً من أفراد المجتمع تربى بطريقة أو بأخرى على العجز، وانتظار ماذا يصنع له الغير؟ حتى صار يود أن يجد أناساً يُربُّون له أبناءه بدلاً من معاناة ذلك بنفسه، مع أن الله تعالى وجّه الخطاب لكل من ولاّه أمراً من هذه الأمور فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر: ((كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته))([1])!
بعض الناس صار ينتظر من المؤسسات الحكومية أو الجهات الخيرية أن تتولى تربية أبنائه وبناته، فإذا انتهت المدرسة؛ بدأ بعض الآباء يترقب برامج التنشيط السياحي! أو المراكز الصيفية، أو حلق تحفيظ القرآن؛ ولذا تجده محتاراً بعد انقضاء هذه المناشط، لا يدري ماذا يفعل!
وما هكذا يكون حال الذين يدركون عظم الأمانة الملقاة على عواتقهم.
المشكلة كبيرة بلا ريب، ولكن علينا أن نفكر بجدٍ - لا تردد فيه - في حل هذه المشكلة التي يكوّن زمنها قرابة رُبعِ أيام السنة، وأن نتدارس المسألة مع من نثق بهم من المربين والمصلحين -إن كان أحدنا لا يجد من نفسه قدرة على تشخيص المشكلة وإيجاد الحل-.
ما لم نقتنع بإمكانية التغيير فهذا أول الفشل، فإن التغيير يبدأ من الذات، فهو يبدأ من النفس، لا من الخارج.
وبعد هذا كله، فمهما اجتهد الإنسانُ وتعب ورتّب ونظّم، فهو مضطر إلى أن يتعلق بربه، يدعوه ويسأله، وينطرح بين يديه في سؤال صلاح الذرية، كما كان الأنبياء والصالحون: ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾، وليردد بصدق: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾، ولا تخل دعاءك من: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾،
وإن رجلاً يلح على الله بمثل هذه الدعوات، مع فعل ما يستطيعه من أسباب؛ لا يخذله الله إن شاء الله! وربنا الرحمن المستعان.