ـ 130.000 دقيقة قادمة 1/2

QR code
د. عمر بن عبد الله المقبل
تاريخ التحديث: 2014-06-28 07:58:00

 130.000 دقيقة قادمة (1/2)

 

ما إن تقبل الإجازة الصيفية إلا وتجد الغيورين والمهتمين بأمر أبنائهم وبناتهم في همّ وقلق من آثار مثل هذا الفراغ الذي سيبدأ فور انتهائهم من اختبارات نهاية العام!

إنه قلق من ذهاب نحو من 130.000 دقيقة هي وقت الإجازة الصيفية تقريباً.

ووجود القلق له جانب إيجابي إنْ حمَلَ على أن يبحث ركنا الأسرة ـ من أم وأب ـ على ما يعين على استثمار هذا الفراغ في النافع المفيد، وإلا ربما أصبح أثرُه السلبي خطيراً وكبيراً، أما إن كان القلق لمجرد القلق فقط من غير عمل ـ مع القدرة على ذلك ـ فهذا قلق العاجزين، وهو قلق سلبي لا يقدِّم ولا يؤخِّر!

إن كثيراً من الناس - وللأسف - لا زال يتعامل مع الوقت على أنه شيء ثانوي، ولا يتحرج من إهداره، والعبث به، فضلاً عن أن تتحرك فيه الغيرة عليه. ومن المحزن أن تنقلب الإجازة عند بعض الناس إلى محضن للكسل، والتربية على الغفلة والدعة واللامبالاة، والاستغراق في الترفيه غير المنضبط في وقته ومضمونه!

ولا ريب أن الترفيه من الحاجات النفسية المهمة، والإنسان والأسرة بحاجة إلى الاستجمام والراحة، لكن الترفيه لا يكون بالمحرمات، والراحة لا تعني الكسل، وغياب الهدف،  كما أن الاستجمام لا يعني العبث، وضياع الدين، أو ضعف الفاعلية والعطاء.

إن العناية بالوقت - كما أنه ديانة وتعبد - فهو ثقافة وتربية، والإحساس بقيمة الوقت هو بداية التصحيح، وبعث الهمم.

إن الحديث في هذا الموضوع طويل جداً، ومتشعب، وحسبنا في هذا المقام أن نذكّر  بأمرين مهمين جداً؛ يعينان على الاستفادة من هذه الإجازة:

أولاً: من أهم ما تُربى عليه الأسرة في جميع أوقات السنة ـ فضلاً عن فترة الإجازة ـ أن الحياة بلا هدف؛ حياة لا قيمة لها!

إن من تأمل في واقع كثير من الناس، فسيجد أنهم يعيشون ـ في هذه الحياة ـ بلا هدف يُذكر أو طموح،  فغاية الأكثرين: أن يوفر لقمة عيشة له ولأولاده فقط!

وقد يتساءل كثيرون: لماذا يكون لي هدف؟ وما العائد الذي سأجنيه من ذلك الهدف؟ وهل الطموح سيجعلني مميزاً عن الآخرين؟ ولماذا نرى الكثير من الناس يعيش في هذه الحياة ويجني النجاحات وهو إنسان غير طامح ولا يعيش لهدف؟ والإجابة على هذه التساؤلات معروفة، ولكن لا مانع من التذكير بها:

إن تحديد الهدف في الحياة يحقق لك أموراً عظيمة، من أهمها:

1 ـ يختصر لك الجهد والوقت: فتتوجه نحو هدفك مباشرة، وتسعى بكل قوتك لتحقيقه.

2 ـ تتعرف على طريقك: سأل رجلٌ يوماً صديقَه وهو يقف على مفترق الطرق: أين أذهب؟ وأي طريق أختار؟ فقال: وأين وجهتك؟ قال: لا أدري! فقال له: فاذهب في أي طريق! وهكذا هي حياتك؛ إن لم يكن لك هدف فاذهب حيثما تشاء، ولا يهم ما هو الطريق الذي ستختاره.

3 ـ تحديد الهدف يشعرك بالإنجاز: فعندما يكون هناك هدفٌ تسعى لتحقيقه، وطموح تسعى للوصول إليه؛ تشعر بالإنجاز، وأنك حققتَ شيئاً يُذكر، ولكن إذا لم يكن لك هدف يُذكر، وأيامك متكررة؛ فكل من حولك يستطيع أن يمثلك ويعوض غيابك!

فما أجمل أن تكون الإجازة فرصةً لتربية الأسرة على هذا المعنى العظيم!

وجميلٌ أن يحدد رب الأسرة - بالمشاورة مع بقية أفراد الأسرة - هدفاً يريدون تحقيقه في هذه الإجازة، وليكن هذا الهدف بحسب المرحلة العمرية، والقدرات.

إن حفظ بعض أجزاء من القرآن، أو ضبط ما سبق حفظه هدف!

وإتقانَ التعامل مع الحاسب الآلي هدف!

وإنهاءَ مجموعة من الكتب المفيدة في هذه الإجازة هدف!

والالتحاقَ بدورة تدريبية أو أكثر هدف!

وتقويةَ الصلة ببعض الأقارب هدف!

وتعويدَ الأبناء على تحملّ بعض مسؤوليات المنزل الملائمة لسِنِّهم وقدراتهم هدف!

وهكذا، يمكن وضع مجموعة من الأهداف المناسبة للوقت والقدرات، وحينما تنتهي الإجازة فسيجد كلُّ فرد من أفراد الأسرة أنه قد حقق هدفاً أو أكثر، وسيشعر بتطور ذاتي، وانتقال من مرحلة إلى أخرى، وما بناء الذات إلا هكذا .

وثمة أمرٌ آخر لكي ننجح في تحقيق أهدافنا لا بد من توافره ووجوده، وهو محور حديثنا في الأسبوع القادم إن شاء الله الله.

  • الكلمات الدالة
8054 زائر
1 | 0
المقال السابق

أنا صريح

المقال التالى

ـ 130.000 دقيقة قادمة 2/2


روابط ذات صلة
إن للحافظ ابن رجب : (ت: 795هـ) كتاباً بديعاً حافلاً بالفوائد، اسماه "لطائف المعارف"، جمع فيه من العلوم والفوائد المتعلقة بالشهور والأيام ما تَقرّ به عينُ طالب العلم، وراغب الفائدة. ومِن جملة هذه الفصول التي تحدث فيها؛... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:25:00
د. عمر بن عبد الله المقبل
أيها الإخوة في الله: إن نهاية الأعوام، وبداية السنوات لها في النفس أثرٌ معنوي، ودلالات معينة، وهي تختلف من شخص لآخر بحسب دينه، وبحسب نظرته للحياة، إلا أن المسلم الفطن -وهو يعيش أواخر عام وبدايات آخر- يتعامل مع هذه... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:24:07
د. عمر بن عبد الله المقبل
ففي مثل هذه الأيام من كل عام تتوارد الأسئلةُ على أهل العلم عن حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد. وكالعادة - في مثل هذه المسائل التي لا نص فيها- يقع الاختلاف بين أهل العلم، والأمر إلى هذا الحد مقبول؛ لكن أن يجعل ذلك من... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:23:36
أ.د. عمر بن عبدالله المقبل
إن المقام ليس مقام حديثٍ عن مزايا هذا التاريخ، بل هي نفثة مصدور مما أراه من استفحال التعلق بالتاريخ الميلادي إلى درجة ربط الشعائر الدينية به! ولو تأمل الإخوةُ -الذين يضعون تلك الوسوم (الهاشتاقات)- ما فيها من التناقض... المزيد
التاريخ: 28/12/1440هـ الموافق: 2019-08-29 06:54:23
د. عمر بن عبدالله المقبل
ومن المهم جداً ـ ونحن نتحدث عن هذه الصور وغيرها كثير ـ أن يكون أداؤها وفعلُها بلا مِنّة، بل بنفْسٍ منشرحة، تشعر بأن المنَّة كلَّها لله؛ أن جعل يدَه هي العليا المنفقة الباذلة، وأن يستشعر أنه لولا فضلُ الله لكان في مكان... المزيد
التاريخ: 29/11/1440هـ الموافق: 2019-08-01 07:42:10
د. عمر بن عبد الله المقبل
لقد طُرِقتْ هذه المسألةُ كثيراً، لكن مع تكرُّر الشكوى من المصائب، وتجدد الهمومِ والمنغّصات؛ كان تقريبُ كيفية تلقّي هذه الأقدار المؤلمة مِن الأهمية بمكان، مستفيداً من نصوص الوحيين، وكلام العلماء والعقلاء، وقد نظمتُها... المزيد
التاريخ: 18/11/1440هـ الموافق: 2019-07-21 08:25:37
التعليقات