الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

ختان الإناث من المسائل التي اختلف فيها العلماء رحمهم الله على أقوال، فمنهم من استحبه، ومنهم من أوجبه، ومنهم من جعله مباحاً.

وبسط الأقوال والأدلة في ذلك يطول به الجواب، ولكن الأقرب من هذه الأقوال أنه سنة في حق النساء، للأدلة التالية:

1- قوله صلى الله عليه وسلم -في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم-: ((إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل)) أي ختان الرجل والمرأة، وهذا يدل على أن ختان المرأة كان معروفاً عندهم.

2- ما رواه أبو داود من حديث أم عطية -رضي الله عنها- أن امرأة كانت تَخْتِنُ النساءَ في المدينة، فقال لها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تَنْهَكي -لا تبالغي في الختان-؛ فإن ذلك أحظَى للمرأة، وأحبُّ لِلبَعْل)).

قال أبو داود: هذا الحديث ضعيف، وراويه مجهول.

3- حديث أبي هريرة في الصحيحين: ((خمس من الفطرة، وذكر منها: الختان))، ومن المعلوم أن اتباع الفطرة لا يختلف فيها الرجل عن المرأة إلا بدليل خاص.

وهناك أدلة أخرى، أكتفي بما تقدم للدلالة على ما ذكرته.

وأنبه هنا إلى أمرين:

1- أن هذه المسألة من المسائل الاجتهادية التي لا يصح أن تكون سبباً للولوغ في أعراض أهل العلم؛ بسبب اختيار أحدهم لقول من الأقوال في المسألة التي تنازع الناس فيها قديماً.

2- سمعت بعض الوعاظ -الذين ليس لديهم علم شرعي قوي- يجزم أنه لا يوجد شيء في الشرع اسمه ختان إناث!

ولا شك أن هذه جرأة عظيمة، وضعف في الاطلاع على الأقوال في هذه المسألة.

فأُحذِّر من يتكلم في وعظ الناس وإرشادهم أن يتجاوز ما يعْلَمه، بل يجب عليه أن يقف عند مبلغ علمه، وأن لا يتكلم إلا فيما يحسن، وأن يكف عن الإفتاء في المسائل التي لم يُحط بها علماً؛ فإن الإفتاء بغير علم من أعظم الذنوب، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}(سورة الأعراف:33).

ولقد لحظت في جوابه -وأنا أسمع- أنه يتحدث بردة فعل من وجود بعض الممارسات الخاطئة للختان، ولا شك أن هذا غلط، وهل كلما تجاوز الناس حدود الشرع في مباح أو مسنون، فهذا يعني أن نحرم أو نمنع ذلك الفعل؟!

نسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقه في الدين، والبصيرة فيه، والله أعلم.