الفائدة الثامنة والخمسون: أخبار غريبة وعجيبة

QR code
د. عمر بن عبد الله المقبل
تاريخ التحديث: 2014-06-27 20:58:23

الفائدة الثامنة والخمسون:

أخبار غريبة وعجيبة ذكرها ابن كثير في حوادث سنة (394هـ) لها صلةٌ بقارِئَين من القراء، وهذا كلامه عنهما البداية والنهاية (11/ 333):

قال: "ثم دخلت سنة أربع وتسعين وثلاثمائة:

وفيها خرج الركب العراقي إلى الحجاز في جحفل عظيم كبير، وتحمل كثير؛ فاعترضهم الأصيفر - أمير الأعراب - فبعثوا إليه بشابين قارئين مجيدين كانا معهم، يقال لهما: أبو الحسن الرفا، وأبو عبدالله بن الزجاجي، وكانا من أحسن الناس قراءة؛ ليكلماه في شيء يأخذه من الحجيج، ويطلق سراحهم؛  ليدركوا الحج، فلما جلسا بين يديه قرءا جميعاً عشْراً بأصوات هائلة مطربة مطبوعة؛ فأدهشه ذلك وأعجبه جداً! وقال لهما: كيف عيشكما ببغداد؟

فقالا: بخير، لا يزال الناس يكرموننا، ويبعثون إلينا بالذهب والفضة والتُّحَف.

فقال لهما: هل أطلق لكما أحد منهم بألف ألف دينار في يوم واحد؟

فقالا: لا، ولا ألف درهم في يوم واحد!

قال: فإني أطلق لكما ألفَ ألف دينار في هذه اللحظة، أطلق لكما الحجيج كله! ولولاكما لما قنعت منهم بألف ألف دينار! فأطلق الحجيج كله بسببهما، فلم يتعرضْ أحدٌ من الأعراب لهم، وذهب الناس إلى الحج سالمون شاكرون لذينك الرجلين المقرئين.

ولما وقف الناس بعرفات قرأ هذان الرجلان قراءة عظيمة على جبل الرحمة؛ فضج الناس بالبكاء من سائر الركوب لقراءتهما! وقالوا لأهل العراق: ما كان ينبغي لكم أن تخرجوا معكم بهذين الرجلين في سفرة واحدة؛ لاحتمال أن يصابا جميعا! بل كان ينبغي أن تخرجوا بأحدهما، وتدعوا الآخر، فإذا أصيب سلم الآخر.

وقد كان أمير العراق عزم على العود سريعاً إلى بغداد على طريقهم التي جاءوا منها، وأن لا يسيروا إلى المدينة النبوية؛ خوفاً من الأعراب! وكثرة الخفارات! فشق ذلك على الناس! فوقف هذان الرجلان يقرآن على جادة الطريق التي منها يعدل إلى المدينة النبوية، وقرءا: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ...} الآيات؛ فضج الناس بالبكاء، وأمالت النوق أعناقها نحوهما! فمال الناس بأجمعهم، والأمير إلى المدينة النبوية؛ فزاروا وعادوا سالمين إلى بلادهم، ولله الحمد والمنة.

ولما رجع هذان القارئان رتبهما ولي الأمر مع أبي بكر بن البهلول - وكان مقرئاً مجيداً أيضاً -؛ ليصلوا بالناس صلاة التراويح في رمضان، فكثر الجمع وراءهم؛ لحسن تلاوتهم، وكانوا يطيلون الصلاة جداً، ويتناوبون في الإمامة، يقرؤون في كل ركعة بقدر ثلاثين آية، والناس لا ينصرفون من التراويح إلا في الثلث الأول من الليل، أو قريب النصف منه" انتهى.

  • الكلمات الدالة
4540 زائر
0 | 0

روابط ذات صلة
إن للحافظ ابن رجب : (ت: 795هـ) كتاباً بديعاً حافلاً بالفوائد، اسماه "لطائف المعارف"، جمع فيه من العلوم والفوائد المتعلقة بالشهور والأيام ما تَقرّ به عينُ طالب العلم، وراغب الفائدة. ومِن جملة هذه الفصول التي تحدث فيها؛... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:25:00
د. عمر بن عبد الله المقبل
أيها الإخوة في الله: إن نهاية الأعوام، وبداية السنوات لها في النفس أثرٌ معنوي، ودلالات معينة، وهي تختلف من شخص لآخر بحسب دينه، وبحسب نظرته للحياة، إلا أن المسلم الفطن -وهو يعيش أواخر عام وبدايات آخر- يتعامل مع هذه... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:24:07
د. عمر بن عبد الله المقبل
ففي مثل هذه الأيام من كل عام تتوارد الأسئلةُ على أهل العلم عن حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد. وكالعادة - في مثل هذه المسائل التي لا نص فيها- يقع الاختلاف بين أهل العلم، والأمر إلى هذا الحد مقبول؛ لكن أن يجعل ذلك من... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:23:36
أ.د. عمر بن عبدالله المقبل
إن المقام ليس مقام حديثٍ عن مزايا هذا التاريخ، بل هي نفثة مصدور مما أراه من استفحال التعلق بالتاريخ الميلادي إلى درجة ربط الشعائر الدينية به! ولو تأمل الإخوةُ -الذين يضعون تلك الوسوم (الهاشتاقات)- ما فيها من التناقض... المزيد
التاريخ: 28/12/1440هـ الموافق: 2019-08-29 06:54:23
د. عمر بن عبدالله المقبل
ومن المهم جداً ـ ونحن نتحدث عن هذه الصور وغيرها كثير ـ أن يكون أداؤها وفعلُها بلا مِنّة، بل بنفْسٍ منشرحة، تشعر بأن المنَّة كلَّها لله؛ أن جعل يدَه هي العليا المنفقة الباذلة، وأن يستشعر أنه لولا فضلُ الله لكان في مكان... المزيد
التاريخ: 29/11/1440هـ الموافق: 2019-08-01 07:42:10
د. عمر بن عبد الله المقبل
لقد طُرِقتْ هذه المسألةُ كثيراً، لكن مع تكرُّر الشكوى من المصائب، وتجدد الهمومِ والمنغّصات؛ كان تقريبُ كيفية تلقّي هذه الأقدار المؤلمة مِن الأهمية بمكان، مستفيداً من نصوص الوحيين، وكلام العلماء والعقلاء، وقد نظمتُها... المزيد
التاريخ: 18/11/1440هـ الموافق: 2019-07-21 08:25:37
التعليقات