الفائدة الرابعة والأربعون:
قال ابن عطية رحمه الله في كتابه الجليل [المحرر الوجيز: 5/340. ط: قطر] عند تفسير قوله تعالى: {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ...}[ص: 24]: {وظن داود} معناه شعر وعلم، وقالت فرقة: "ظن" هنا بمعنى: أيقن.
قال القاضي أبو محمد:
والظن - أبداً - في كلام العرب إنما حقيقته: توقُّف بين معتقدين يغلب أحدهما على الآخر، وتُوقِعه العرب على العلم الذي ليس على الحواس، ولا له اليقين التام، ولكن يخلط الناس في هذا ويقولون: ظن بمعنى أيقن، ولسنا نجد في كلام العرب شاهداً يتضمن أن يقال: رأى زيد كذا وكذا فظنه! وانظر إلى:
- قوله تبارك وتعالى: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا}[الكهف: 53 ].
- وإلى قول دريد بن الصمة:
فقلت لهم ظُنُوا بأَلْفَيْ مُدَجَجٍ ** سَرَاتهُمُ في الفارسيِّ المُسَرّد
- وإلى هذه الآية: {وظن داود}؛ فإنك تجد بينها وبين اليقين درجة.
ولو فرضنا أهل النار قد دخلوها وباشروا؛ لم يقل: {فظنوا} ولا استقام ذلك، ولو أخبر جبريل داود بهذه الفتنة لم يعبر عنها بـ(ظن)، فإنما تعبّر العرب بها عن العلم الذي يقارب اليقين وليس به، لم يخرج بعد إلى الإحساس" انتهى.