الفائدة 209:جئت أصالحك!
وقع مَرة بيني وبين صديق لي ما قد يقع مثله بين الأصدقاء، فأعرض عني وأعرضتُ عنه، ونأى بجانبه ونأيت بجانبي، ومشى بيننا أولاد الحلال بالصلح، فنقلوا مني إليه ومنه إلي! فحولوا الصديقين ببركة سعيهما إلى عدوين! وانقطع ما كان بيني وبينه، وكان بيننا مودة ثلاثين سنة.
وطالت القطيعة، وثقلت علي، ففكرت يوماً في ساعة رحمانية، وأزمعت أمراً، ذهبت إليه فطرقت بابَه، فلما رأتني زوجه كذَّبت بصرَها، ولما دخلت تنبئه كذَّب سمعَه، وخرج إلي مشدوهاً! فما لبثته حتى حييته بأطيب تحية كنت أحييه أيام الوداد بها، واضطر فحياني بمثلها، ودعاني فدخلت، ولم أَدَعه في حيرته، فقلت له ضاحكاً: لقد جئت أصالحك! وذكرنا ما كان وما صار، وقال وقلت، وعاتبني وعاتبته، ونفضنا بالعتاب الغبار عن مودتنا، فعادت كما كانت، وعدنا إليها كما كنا.
وأنا أعتقد أن ثلاثة أرباع المختلفين لو صنع أحدُهما ما صنعتُ لذهب الخلاف، ورجع الائتلاف، وإن زيارة كريمة قد تمحو عداوة بين أخوين كانت تؤدي بهما إلى المحاكم والسجون.
إنها والله خطوة واحدة تصلون بها إلى أنس الحب، ومتعة الود، وتسترجعون بها الزوجة المهاجرة، والصديق المخالف. فلا تترددوا.
["الشيخ علي الطنطاوي - مقالات في كلمات": 1/ ٥٣].