الفائدة الحادية والستون:
نص نفيس عن العلامة المحدث عبدالرحمن المعلمي اليماني: في الكلام عن الهوى ودقة مسالكه - من كتابه [القائد إلى تصحيح العقائد: ص24-25] و[التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل (3/ 252)]:
قال: "وبالجملة؛ فمسالك الهوى أكثر من أن تحصى، وقد جربتُ نفسي! أنني ربما أنظر في القضية زاعماً أن لا هوى لي، فيلوح لي فيها معنى؛ فأقرره تقريراَ يعجبني، ثم يلوح لي ما يخدش في ذلك المعنى، فأجدني أتبرم من ذلك الخادش، وتنازعني نفسي إلى تكلف الجواب عنه، وغض النظر عن مناقشة ذلك الجواب!
وإنما هذا لأنني قررتُ ذلك المعنى أولاً تقريراً أعجبني؛ صرت أهوى صحته، هذا مع أنه لم يعلم بذلك أحد من الناس، فكيف إذا كنت قد أذعته في الناس ثم لاح لي الخدش! فكيف لولم يلح لي الخدش ولكن رجلاً آخر اعترض علي به؟! فكيف لو كان المعترض ممن أكرهه؟!
والعالم قد يقصّر في الاحتراس من هواه، ويسامح نفسه؛ فتميل إلى الباطل فينصره! وهو يتوهم أنه لم يخرج من الحق ولم يعاده، وهذا لا يكاد ينجو منه إلا المعصوم، وإنما يتفاوت العلماء؛ فمنهم من يكثر منه الاسترسال مع هواه ويفحش..، ومنهم من يقل منه ذلك منه ويخف...، على أنه إذا استرسل مع هواه زعم أن موافقيه براء من الهوى! وأن مخالفيه كلهم متبعون للهوى!" انتهى.