جواب عن استشكال في كلام الشنقيطي

QR code
د. عمر بن عبد الله المقبل
تاريخ التحديث: 2015-01-17 09:14:33
  • الكلمات الدالة
السؤال كاملا

قرأت في كتابكم "قواعد قرآنية" في كلامكم على القاعدة التاسعة: "وليس الذكر كالأنثى" كلاماً استغربته واستشكلته، وهذا نصّه: "ولقد بين القرآن هذا التفاوت بين الجنسين في مواضع كثيرة، منها: قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ}: وهم الرجال {عَلَى بَعْضٍ}: وهن النساء، ومنها: قوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}، وذلك لأن الذكورة كمال خلقي، وقوة طبيعية، وشرف وجمال، والأنوثة نقص خلقي، وضعف طبيعي، كما هو محسوس مشاهد لجميع العقلاء، لا يكاد ينكره إلا مكابر في المحسوس، وقد أشار جل وعلا إلى ذلك بقوله: {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}؛ فالأنثى تنشأ في الحلية، أي: الزينة - من أنواع الحلي والحلل - لتجبر بذلك نقصها الخَلْقي" وموضع الإشكال: كيف تعتبر الذكورة كمالاً والأنوثةُ نقصاً؟ أليس في هذا احتقاراً للمرأة وانتقاصاً لها؟

الإجابة

أشكر الأخت السائلة التي تواصلت لإزالة اللبس الواقع في الكلام المذكور، والذي هو تلخيص لكلام العلامة الشنقيطي ـ رحمه الله ـ في كتابه "أضواء البيان" (3/498) ط.الراجحي ـ ولكي يتضح الكلام أسوق كلام الشيخ بتمامه، ثم أعلّق عليه، قال ـ رحمه الله ـ في سياق تفسيره لقوله تعالى: {وللرجال عليهن درجة}:

"لم يبين هنا ما هذه الدرجة التي للرجال على النساء؟ ولكنه أشار لها في موضع آخر وهو قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]، فأشار إلى أن الرجل أفضل من المرأة ; وذلك لأن الذكورة شرفٌ وكمالٌ، والأنوثة نقص خَلْقِيٌ طبيعي.

والخَلْقُ كأنه مجمع على ذلك; لأن الأنثى يَجْعلُ لها جميع الناس أنواعَ الزينة والحلي، وذلك إنما هو لجبر النقص الخلقي الطبيعي ـ الذي هو الأنوثة ـ، بخلاف الذكر فجمال ذكورته يكفيه عن الحلي ونحوه.

وقد أشار تعالى إلى نقص المرأة وضعفها الخلقيين الطبيعيين بقوله: { أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِين} [الزخرف: 18]، لأن نشأتها في الحلية دليل على نقصها المراد جبره، والتغطية عليه بالحلي، كما قال الشاعر:

وما الحلي إلا زينةٌ مَنْ نقيصةٌ ... يُتَمّمُ مَنْ حُسْنٍ إذا الحُسْنُ قصرا

وأما إذا كان الجمالُ موفَراً ... كحُسْنكَ لم يحتجْ إلى أن يزورا

ولأن عدم إبانتها في الخصام ـ إذا ظلمت ـ دليلٌ على الضعف الخُلُقي، كما قال الشاعر:

بنفسي وأهلي مَنْ إذا عرضوا له ... ببعضِ الأذى لم يدْرِ كيف يجيبُ

فلم يعتذر عُذْرَ البريء ولم تزلْ ... بهِ سكتةٌ حتى يُقال مريبُ

ولا عبرة بنوادر النساء ; لأن النادر لا حكم له.

وأشار بقوله: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} إلى أن الكامل في وصفه وقوته وخلقته يناسب حاله، أن يكون قائما على الضعيف الناقص خلقة.

ولهذه الحكمة المشار إليها جعل ميراثه مضاعفاً على ميراثها; لأن من يقوم على غيره مترقب للنقص، ومَنْ يقوم عليه غيرُه مترقبٌ للزيادة، وإيثارُ مترقب النقص على مترقب الزيادة ظاهر الحكمة.

كما أنه أشار إلى حكمة كون الطلاق بيد الرجل دون إذن المرأة بقوله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [البقرة: 223]؛ لأن من عرف أن حقله غير مناسب للزراعة لا ينبغي أن يرغم على الازدراع في حقل لا يناسب الزراعة.

ويوضّح هذا المعنى أن آلة الازدراع بيد الرجل، فلو أُكْره على البقاء مع مَنْ لا حاجة له فيها حتى ترضى بذلك، فإنها إن أرادت أن تجامعه لا يقوم ذكره ولا ينتشر إليها، فلم تقدر على تحصيل النسل منه ـ الذي هو أعظم الغرض من النكاح ـ بخلاف الرجل; فإنه يولدها وهي كارهة كما هو ضروري([1])". انتهى كلامه رحمه الله.

ولعل سياق كلامه بالتفصيل يزيل ما وقع من لبس عند الأخت السائلة، وأضيف إلى ما ذكره ـ رحمه الله ـ أن يقال: إن وصف المرأة بالنقصِ الخَلْقي مما لا تعاب به، كما لا يجوز أن يعاب الإنسان القصير بقصره، أو بكونه دميماً، أو بغير ذلك من الأوصاف التي لا حيلة له فيها، بل هي أمور كونية قدرية، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم  حين أخبر بهذا النقص في الدين والعقل، لم يذكره لتُنْتقص به المرأة، كلا! فهذا مما يترفع عنه عقلاء الرجال، وعلى رأسهم نبينا صلى الله عليه وسلم  وأصحابه رضي الله عنهم؛ بل ذكره ليعرف الرجل كيف يتعامل مع هذا المخلوق الذي كماله في نقْصه، ولو اكتمل خلقه كالذكر ما استقامت الحياة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء»([2])، والواقع يشهد أن المرأة إذا خرجت عن سبيل الفطرة التي فطرها الله عليها، كأن تجعل القوامة لها، أو تريد أن تتقمص شخصية الرجل، فإن الحياة تتنغص وتتكدر بقدر ما يوجد من خروج عن فطرتها.

وأمهات المؤمنين وبقية الصحابيات ومن سار على نهجهن، لم يفهمن أن في ذكر هذه الأوصاف تنقصاً لها، بل فهمن ما سبقت الإشارة إليه، ولهذا لم ينقل لا عن الصحابة ولا عن الصحابيات شيءٌ يفهم منه الاعتراض، أو تعيير الرجال للنساء بذلك.

ولعل في هذا التوضيح ما يزيل اللبس عن الأخت السائلة، والله أعلم وأحكم.



([1]) ومراده بقوله: "كما هو ضروري" أي كما هو معلوم بالضرورة.

([2]) البخاري ح (331)، مسلم ح (1468).

4749 زائر
3 | 8
المقال السابق
المقال التالى

روابط ذات صلة
التاريخ: 1/9/1435هـ الموافق: 2014-06-28 06:53:51
التاريخ: 1/9/1435هـ الموافق: 2014-06-28 01:26:57
التاريخ: 1/9/1435هـ الموافق: 2014-06-28 06:57:18
التاريخ: 1/11/1440هـ الموافق: 2019-07-04 13:09:28
التاريخ: 1/9/1435هـ الموافق: 2014-06-28 06:59:08
التاريخ: 1/9/1435هـ الموافق: 2014-06-28 00:55:45
التعليقات