الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فالحديث الذي سألت عنه رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبدالله بن عمر
رضي الله عنهما، في قصة معروفة([1])،
ورواه البخاري ومسلم من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى
الله عليه وسلم يقول: "من نِيحَ عليه يعذب بما نِيحَ
عليه يوم القيامة".([2])
وقد اتفق العلماء على أنه ليس المراد من هذه الأحاديث مطلق
البكاء والحزن، بل المراد بالبكاء هنا: النياحة ورفع الصوت، فقد بكى النبي صلى
الله عليه وسلم وحزن لما مات ابنه ابراهيم([3])،
وفي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: "إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب،
ولكن يعذب بهذا -وأشار إلى لسانه- أو يرحم"([4])،
قال النووي رحمه الله: "وأجمعوا كلهم على اختلاف مذاهبهم على أن المراد
بالبكاء هنا بصوت ونياحة، لا مجرد دمع العين".([5])
وأقرب ما قيل في توجيه هذا الحديث ما ذكره شيخ الإسلام
ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وغيره من المحققين، وهو أن معنى (يعذب) أي: يتأذى؛ وإطلاق
التأذي على العذاب وارد في السنة، كما في حديث: "السفر
قطعة من العذاب"([6])،
ومعلوم أن العذاب هنا مقصودٌ به التعب والنصب، وإلا فلا يوجد عاقل يختار العذاب
على السلامة، وبناء على هذا التوجيه، فلا تعارض بين هذا الحديث بين النصوص الأخرى
كقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}
[الأنعام: 164]، وأمثالها([7])،والله تعالى أعلم.
ارسال الفتوى