ما الحكم إذا امتنعت المرأة عن زوجها؟

QR code
أ.د. عمر بن عبدالله المقبل
تاريخ التحديث: 2016-08-30 06:33:38
السؤال كاملا

زوجي يعاملني معاملة سيئة، ومن ثم يطلبني للمعاشرة، فهل علي إثم إذا امتنعت عنه وهجرته؟

الإجابة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فمما لا شك فيه أن الشريعة الإسلامية كرمت المرأة المسلمة ورفعت من شأنها، بل وشرَّعَت لها من الحقوق ما يلائم تكوينها وفطرتها ما لم تعهده أمة من الأمم علي مر العصور والدهور.

وحين جاء الإسلام جعل النساء شقائق الرجال([1])، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].

وتواترت الأخبار في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على حسن معاشرة الزوج لزوجته، قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } [النساء: 19]، وقال تعالى : {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]، وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].

وكان النبي صلى الله عليه وسلم نموذجًا يحتذى في معاملته لزوجاته، وأوصى بالنساء خيراً فقال: " استوصوا بالنساء خيرًا"([2] بل أكّد على حقوقهن في أعظم مجمع عرفته الدنيا في ذلك الزمان، في خطبته في حجة الوداع، فقال: "فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف"([3]).

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"([4]).

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء".([5])

وكذلك أوجبت الشريعة الإسلامية على المرأة المسلمة حسن معاشرة زوجها، وعلى طاعته في المعروف، وحثتها على الصبر عليه، ولذلك نوصيك -أيتها الأخت الكريمة- بالصبر والدعاء وحسن المعاشرة لزوجك، واغلبيه بحسن خلقك وتبسمك له وبالكلمة الطيبة، ونذكرك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح".([6])

وفي الصحيحين –وهذا لفظ مسلم- من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح".([7])

وأيضًا في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه، إلا كان الذي في السماء ساخطًا عليها حتى يرضى عنها".([8])

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ويحرم على المرأة أن لا تطيع زوجها إذا دعاها إلى فراشه، وتقدم على ذلك القيام والصلاة والصيام، بل الواجب أن تجيبه إلى فراشه إذا طلبها، حتى ثبت في البخاري أنه: "لا يحل لها الصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه"([9])؛ لأنه يمنعها عن بعض ما يجب عليها للزوج فكيف يكون حالها إذا طلبها فامتنعت، والله تعالى يقول: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ....} [النساء: 34]، فالصالحة: هي التي تكون قانتة أي: مداومة على طاعة ربها وطاعة زوجها، فإذا امتنعت من فراشه أبيح له ضربها، وليس عليها حق بعد حق الله ورسوله أوجب من حق الزوج".([10])

وتذكري أيضًا: إنه من أكثر ما يدخل السرور على الشيطان أن ينفث بين الزوجين لكي يفرق بينهما، كما ففي صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلةً أعظمهم فتنةً، يجيء أحدهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئًا، ثم يجئ أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيُدنيه منه، ويقول: نعم أنت"([11]).

وفي الختام: أقول لك -أيتها الأخت السائلة- إن سفينة الحياة الزوجية لا تسير إلا بالتضحية والإيثار، وأن يتنازل كل طرف للآخر، وذلك حتى تمضي الحياة بينكما، وكما قلت آنفا: اصبري واحتسبي وأكثري من الدعاء لك ولزوجك، وأَذْهِبِي غضبه عليك بحسن خلقك، وتبسمك له، وبالكلمة الطيبة، ومثوبة ذلك عند الله عظيمة، وما عند الله خير وأبقى، والله أسأل أن يُسْبَل عليكما المودة والرحمة، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله تعالى أعلم.



[1]- هذا جزء من حديث رواه أبوداود ح (236)، وغيره -وصححه بعض أهل العلم- عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الرجال شقائق النساء".

[2]- أخرجه البخاري ح (3331)، ومسلم ح (1468)

[3]- أخرجه مسلم ح (1218).

[4]- أخرجه ابن حبان في صحيحه ح (4177).

[5]- أخرجه البخاري ح (3331)، ومسلم ح (1468).

[6]- أخرجه البخاري ح (3237)، ومسلم ح (1436).

[7]- أخرجه البخاري ح (5194)، ومسلم ح (1436).

[8]- أخرجه مسلم ح (1436).

[9]- أخرجه البخاري ح (5195).

[10]- مختصر الفتاوي المصرية لابن تيمية (1/ 407).

[11]- أخرجه مسلم ح (2813).

2804 زائر
0 | 0
المقال السابق
المقال التالى

روابط ذات صلة
التاريخ: 1/9/1435هـ الموافق: 2014-06-28 06:53:51
التاريخ: 1/9/1435هـ الموافق: 2014-06-28 01:26:57
التاريخ: 1/9/1435هـ الموافق: 2014-06-28 06:57:18
التاريخ: 1/11/1440هـ الموافق: 2019-07-04 13:09:28
التاريخ: 1/9/1435هـ الموافق: 2014-06-28 06:59:08
التاريخ: 1/9/1435هـ الموافق: 2014-06-28 00:55:45
التعليقات