ينبغي أولاً أن يعرف مراد الفقهاء -رحمهم الله تعالى- عند ذكرهم الحمام، فإن المراد به هو ذلك المكان الذي يرتاده الناس للاستحمام، واصله مأخوذ من استعمال الحميم -وهو الماء الحار- للاغتسال؛لإزالة آثار العرق ونحوه، واستعمال الفقهاء لا يخرج عن هذا المعنى،  وعليه تحمل الأحاديث الواردة في ذلك -إن صح منها شيء-.

إذا تقرر هذا فلا تستغرب -أخي السائل- أن تجد في كلام بعض الفقهاء جواز قراءة القرآن في الحمام، أو كراهة ذلك، ولا تستغرب أن ترى من يجيز الذكر المطلق - غير القرآن- في الحمام، بل ذهب أكثر الفقهاء إلى صحة الصلاة في الحمام ما لم تكن الأرض نجسة؛ لأن مرادهم بذلك هو مكان الاستحمام، لا الحمام المتعارف عليه اليوم عندنا، والذي يشتمل على مكان قضاء الحاجة، وربما كان فيه مكانان -عربي وإفرنجي كما يقال- بالإضافة إلى مكان الاستحمام.

وبناء على ما سبق، فيمكن القول بأن:

مسألة الذكر في الحمامات لا يخلو من حالين:

الحال الأولى: أن تكون هذه الحمامات من قبيل ما تقدم ذكره عند الفقهاء -أماكن الاستحمام فحسب- فلا يظهر هناك مانع من الذكر، وهو قول جمهور الفقهاء، أما قراءة القرآن فالأولى تركها حتى يخرج، ولو قرأ فلا حرج عليه إن شاء الله.

الحال الثانية: أن يكون في هذه الحمامات أماكن قضاء الحاجة، فهذه تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: أن تكون هذه الحمامات لا تنظف بل تبقى فيها آثار قضاء الحاجة -كما هو الحال في الحشوش قديماً، وربما يوجد منها بقايا في بعض البلاد - فهذه أقل أحوالها كراهة الذكر فيها؛ لأنها أماكن مستقذرة، وحالها لا يناسب ذلك، وأما قراءة القرآن فهي محرمة، لما ذلك من امتهان القرآن، ومن المعلوم أن أحداً لو كلّم شخصاً وهو في تلك الأماكن -من غير حاجة- بكلام عادي، لكان ذلك مجانباً لسلوك الأدب، فكيف والعبد يقرأ كلام الرب عز وجل؟‍‍!.

القسم الثاني: أن تكون هذه الحمامات يتعاهدها أهلها بالنظافة والتطهير  فهذه بلا ريب أنها أخف من التي قبلها، إلا أنه لا ينبغي تعاطي الذكر فيها  وخاصة قراءة القرآن، احتراماً وتعظيماً لجلال الله تبارك وتعالى.

وكل ما تقدم، إنما هو في حال الجهر والتلفظ بذلك، أما في حال الذكر بالقلب، فالأمر أسهل بكثير، وتركه -فيما يتعلق بالقرآن - أولى خاصة في القسم الأول من الحال الثانية، والله تعالى أعلم.