الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أولاً: لا تجوز مشاهدة هذه القنوات التنصيرية إلا بشرطين:
الأول: الحاجة إلى مشاهدتها، من أجل كتابة تقرير عنها، أو لغرض علمي صحيح.
الثاني: أن يكون عند المشاهد علمٌ يدفع به تلك الشبهة التي يلقيها هؤلاء النصارى.
ويكفي في سوء هذه القنوات وأمثالها أن تقذف في قلبك شبهةً كهذه التي سألت عنها،ولم تعرف جوابها!!.
والحقيقة أن سؤالك غير مكتمل، فأنت لم تعرض للجملة التي ذكرها كلها.
وفيما يخص سؤالك فسألخص الجواب عنه من وجهين:
الأول:
أن دعوى هذا النصراني باطلة بهذا الإطلاق، فالشهادة في الإسلام هي علامة الدخول فيه، وسبب لحقن دمه، وثبوت ما له من حقوق وما عليه من واجبات، ولكنها لا تكفيه بمجردها -عند الله وفي الآخرة- إذا لم يقترن معها إيمان صادق، ولهذا لم ينتفع المنافقون من دعواهم الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة، قال تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(سورة المنافقون:1،2).
فهم وإن ادعوا الشهادة، إلا أن الله تعالى كذبهم في هذه الدعوى التي لم تتواطأ عليها قلوبهم، ولهذا قال ربنا: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}(سورة المنافقون: 1).
ويوضح هذا أن يقال: إن هذا المعنى الذي ذكره هذا النصراني غير مؤثر أصلاً، فكونه يقول: (أؤمن)، أو: (أشهد) فلا فرق يُذْكر بينهما عند التأمل. بل لو قيل: إن معنى أشهد أبلغ لم يبعد؛ لأنه الذي يعلن الشهادة، فكأنه من شدة إيمانه ويقينه بصحة دينه -المستقر في قلبه- شهد به، وأعلنه فأقام الإيمان مقام الشيء المشاهد المحسوس.
بينما الإيمان -وأصله في اللغة التصديق- قد يوجد في القلب، ولكنه لا يشهد، بل ربما جحد: كفرعون وأبي جهل، وغيرهم؛ فلذا لا يكفي، لا يكفي أن يقتصر الإنسان على مجرد ما في قلبه من الإيمان، بل لا بد من وجود شيء يدل على ذلك؛ لما يترتب على ذلك من أحكام كثيرة في الدنيا، وأما في الآخرة فسيحكم بينهم منْ لا تخفى عليه خافية.
وإن قال: نحن نصرح بلفظ الإيمان، فيقال: إن التصريح بالشهادة مثله وأبلغ؛ لأنه إنما يشهد على إيمانه.
الوجه الثاني:
أن هذا المعنى السابق موجود في دين النصارى، كما حكى الله تعالى عن الحواريين في القرآن الكريم أنهم يؤكدون إيمانهم بلفظ الشهادة، قال تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}(سورة آل عمران:52)، وقال تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ}(سورة المائدة:111).
فلا تعارض بين الأمرين، فإعلان الشهادة مؤكد لما في قلوبهم من الإيمان.
وختاماً: أوصيك أخي بطلب العلم النافع، الذي يجعلك تميز سخافة هذه الشبه، وضعفها وتهافتها، والتي لا تستحق أن يقف العاقل عندها، وهذا لا يعني تسويغ مشاهدة هذه القنوات، بل الواجب الحذر منها، خاصةً لمن ليس عنده علمٌ يدفع به هذه الشبه، وعلى المؤمن أن يحذر على قلبه من هذه الشبه؛ لأني أخشى لمن شاهدها، وهو قليل البضاعة في العلم أن تكون سبباً في استقرار بعض الشبه في قلبه، والتي قد يعجز هو أو يعجز عنها غيره في إزالتها، ولربما كانت سبباً في ردته -والعياذ بالله-.
ارسال الفتوى