التاريخ الهجري من الدين

QR code
د. عمر بن عبد الله المقبل
تاريخ التحديث: 2014-10-27 01:52:37

التاريخ الهجري من الدين([1])

 

 "إننا اليوم نستقبل عاما جديدا إسلاميا هجرياً، شهوره الشهور الهلالية التي هي عند الله تعالى في كتابه كما قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36]، الشهور التي جعلها الله تعالى مواقيت للعالم كلهم قال الله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 189] مواقيت للناس كلهم بدون تخصيص، لا فرق بين عرب وعجم ذلك؛ لأنها علامات محسوسة ظاهرة لكل أحد يعرف بها دخول الشهر وخروجه، فمتى رؤي الهلال من أول الليل دخل الشهر الجديد وخرج الشهر السابق.

ليست كالشهور الإفرنجية شهورا وهمية غير مبنية على مشروع ولا معقول ولا محسوس، بل هي شهور اصطلاحية مختلفة، بعضها واحدٌ وثلاثون يوماً، وبعضها ثمانية وعشرون يوماً، وبعضها بين ذلك، لا يُعلم لهذا الاختلاف سبب حقيقي معقول، لكنها عورضت من قبل الأحبار والرهبان.

فتأمل أيها المسلم! كيف يعارض رجال دين اليهود والنصارى في تغيير أشهر وهمية مختلفة إلى اصطلاح أضبط؛ لأنهم يعلمون ما لذلك من خطر! ورجالُ دينِ الإسلام ساكتون بل مقرون لتغيير التوقيت بالشهور الإسلامية، بل العالمية التي جعلها الله لعباده، حيث عدل عنها أكثر المسلمين إلى التوقيت بالشهور الإفرنجية!

وقد سئل الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ فقيل له: إن للفرس أياماً وشهوراً يسمونها بأسماء لا تعرف؟ فكره ذلك أشد الكراهة.

وروي عن مجاهد أنه كان يكره أن يقال آذارماه"اهـ.

وقال رحمه الله: "أيها الناس: إننا هذا الأسبوع نستقبل عاماً جديدا إسلاميا هجرياً، ابتدأ عقد سنواته من أجل مناسبة في الإسلام، ألا وهي هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، التي ابتدأ بها تكوين الأمة الإسلامية في بلد إسلامي مستقل، يحكمه المسلمون.

ولم يكن التاريخ السنوي معمولاً به في أول الإسلام حتى كانت خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ففي السنة الثالثة أو الرابعة من خلافته كتب إليه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: "أنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ"! فجمع عمر الصحابة رضي الله عنهم، فاستشارهم فيقال: إن بعضهم قال: أرّخوا كما تؤرخ الفرس بملوكها، كلما هلك ملك أرخوا بولاية من بعده، فكره الصحابة ذلك، فقال بعضهم: أرخوا بتاريخ الروم، فكرهوا ذلك أيضاً، فقال بعضهم: أرّخوا من مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال آخرون: من مبعثه، وقال آخرون: من مهاجره، فقال عمر: الهجرةُ فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها فأرخوا من الهجرة واتفقوا على ذلك.

ثم تشاوروا من أي شهر يكون ابتداء السنة، فقال بعضهم: من رمضان؛ لأنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن.

وقال بعضهم: من ربيع الأول؛ لأنه الشهر الذي قدم فيه النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجراً.

واختار عمر وعثمان وعلي: أن يكون من المحرم؛ لأنه شهر حرام يلي شهر ذي الحجة الذي يؤدي المسلمون فيه حجهم، الذي به تمام أركان دينهم، والذي كانت فيه بيعة الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم، والعزيمةُ على الهجرة، فكان ابتداء السنة الإسلامية الهجرية من الشهر المحرم الحرام.

أيها المسلمون: إن من المؤسف حقاً أن يعدل أكثر المسلمين اليوم عن التاريخ الإسلامي الهجري إلى تاريخ النصارى الميلادي الذي لا يمت إلى دينهم بصلة!

ولئن كان لبعضهم شبهة من العذر حين استعمر بلادهم النصارى وأرغموهم على أن يتناسوا تاريخهم الإسلامي الهجري، فليس لهم الآن أي عذر في البقاء على تاريخ النصارى الميلادي، وقد أزال الله عنهم كابوس المستعمرين وظلمهم وغشمهم، ولقد سمعتم ما قيل من أن الصحابة رضي الله عنهم كرهوا التأريخ بتاريخ الفرس والروم"[2][2].


 



([1])  من "الضياء اللامع من الخطب الجوامع" (9/ 702).

(2]) "الضياء اللامع من الخطب الجوامع" (9/ 701).

  • الكلمات الدالة
6959 زائر
0 | 0
المقال السابق
المقال التالى

روابط ذات صلة
إن للحافظ ابن رجب : (ت: 795هـ) كتاباً بديعاً حافلاً بالفوائد، اسماه "لطائف المعارف"، جمع فيه من العلوم والفوائد المتعلقة بالشهور والأيام ما تَقرّ به عينُ طالب العلم، وراغب الفائدة. ومِن جملة هذه الفصول التي تحدث فيها؛... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:25:00
د. عمر بن عبد الله المقبل
أيها الإخوة في الله: إن نهاية الأعوام، وبداية السنوات لها في النفس أثرٌ معنوي، ودلالات معينة، وهي تختلف من شخص لآخر بحسب دينه، وبحسب نظرته للحياة، إلا أن المسلم الفطن -وهو يعيش أواخر عام وبدايات آخر- يتعامل مع هذه... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:24:07
د. عمر بن عبد الله المقبل
ففي مثل هذه الأيام من كل عام تتوارد الأسئلةُ على أهل العلم عن حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد. وكالعادة - في مثل هذه المسائل التي لا نص فيها- يقع الاختلاف بين أهل العلم، والأمر إلى هذا الحد مقبول؛ لكن أن يجعل ذلك من... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:23:36
أ.د. عمر بن عبدالله المقبل
إن المقام ليس مقام حديثٍ عن مزايا هذا التاريخ، بل هي نفثة مصدور مما أراه من استفحال التعلق بالتاريخ الميلادي إلى درجة ربط الشعائر الدينية به! ولو تأمل الإخوةُ -الذين يضعون تلك الوسوم (الهاشتاقات)- ما فيها من التناقض... المزيد
التاريخ: 28/12/1440هـ الموافق: 2019-08-29 06:54:23
د. عمر بن عبدالله المقبل
ومن المهم جداً ـ ونحن نتحدث عن هذه الصور وغيرها كثير ـ أن يكون أداؤها وفعلُها بلا مِنّة، بل بنفْسٍ منشرحة، تشعر بأن المنَّة كلَّها لله؛ أن جعل يدَه هي العليا المنفقة الباذلة، وأن يستشعر أنه لولا فضلُ الله لكان في مكان... المزيد
التاريخ: 29/11/1440هـ الموافق: 2019-08-01 07:42:10
د. عمر بن عبد الله المقبل
لقد طُرِقتْ هذه المسألةُ كثيراً، لكن مع تكرُّر الشكوى من المصائب، وتجدد الهمومِ والمنغّصات؛ كان تقريبُ كيفية تلقّي هذه الأقدار المؤلمة مِن الأهمية بمكان، مستفيداً من نصوص الوحيين، وكلام العلماء والعقلاء، وقد نظمتُها... المزيد
التاريخ: 18/11/1440هـ الموافق: 2019-07-21 08:25:37
التعليقات