التاريخ الهجري من الدين([1])
"إننا اليوم نستقبل عاما جديدا إسلاميا هجرياً، شهوره الشهور الهلالية التي هي عند الله تعالى في كتابه كما قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36]، الشهور التي جعلها الله تعالى مواقيت للعالم كلهم قال الله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 189] مواقيت للناس كلهم بدون تخصيص، لا فرق بين عرب وعجم ذلك؛ لأنها علامات محسوسة ظاهرة لكل أحد يعرف بها دخول الشهر وخروجه، فمتى رؤي الهلال من أول الليل دخل الشهر الجديد وخرج الشهر السابق.
ليست كالشهور الإفرنجية شهورا وهمية غير مبنية على مشروع ولا معقول ولا محسوس، بل هي شهور اصطلاحية مختلفة، بعضها واحدٌ وثلاثون يوماً، وبعضها ثمانية وعشرون يوماً، وبعضها بين ذلك، لا يُعلم لهذا الاختلاف سبب حقيقي معقول، لكنها عورضت من قبل الأحبار والرهبان.
فتأمل أيها المسلم! كيف يعارض رجال دين اليهود والنصارى في تغيير أشهر وهمية مختلفة إلى اصطلاح أضبط؛ لأنهم يعلمون ما لذلك من خطر! ورجالُ دينِ الإسلام ساكتون بل مقرون لتغيير التوقيت بالشهور الإسلامية، بل العالمية التي جعلها الله لعباده، حيث عدل عنها أكثر المسلمين إلى التوقيت بالشهور الإفرنجية!
وقد سئل الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ فقيل له: إن للفرس أياماً وشهوراً يسمونها بأسماء لا تعرف؟ فكره ذلك أشد الكراهة.
وروي عن مجاهد أنه كان يكره أن يقال آذارماه"اهـ.
وقال رحمه الله: "أيها الناس: إننا هذا الأسبوع نستقبل عاماً جديدا إسلاميا هجرياً، ابتدأ عقد سنواته من أجل مناسبة في الإسلام، ألا وهي هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، التي ابتدأ بها تكوين الأمة الإسلامية في بلد إسلامي مستقل، يحكمه المسلمون.
ولم يكن التاريخ السنوي معمولاً به في أول الإسلام حتى كانت خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ففي السنة الثالثة أو الرابعة من خلافته كتب إليه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: "أنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ"! فجمع عمر الصحابة رضي الله عنهم، فاستشارهم فيقال: إن بعضهم قال: أرّخوا كما تؤرخ الفرس بملوكها، كلما هلك ملك أرخوا بولاية من بعده، فكره الصحابة ذلك، فقال بعضهم: أرخوا بتاريخ الروم، فكرهوا ذلك أيضاً، فقال بعضهم: أرّخوا من مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال آخرون: من مبعثه، وقال آخرون: من مهاجره، فقال عمر: الهجرةُ فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها فأرخوا من الهجرة واتفقوا على ذلك.
ثم تشاوروا من أي شهر يكون ابتداء السنة، فقال بعضهم: من رمضان؛ لأنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن.
وقال بعضهم: من ربيع الأول؛ لأنه الشهر الذي قدم فيه النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجراً.
واختار عمر وعثمان وعلي: أن يكون من المحرم؛ لأنه شهر حرام يلي شهر ذي الحجة الذي يؤدي المسلمون فيه حجهم، الذي به تمام أركان دينهم، والذي كانت فيه بيعة الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم، والعزيمةُ على الهجرة، فكان ابتداء السنة الإسلامية الهجرية من الشهر المحرم الحرام.
أيها المسلمون: إن من المؤسف حقاً أن يعدل أكثر المسلمين اليوم عن التاريخ الإسلامي الهجري إلى تاريخ النصارى الميلادي الذي لا يمت إلى دينهم بصلة!
ولئن كان لبعضهم شبهة من العذر حين استعمر بلادهم النصارى وأرغموهم على أن يتناسوا تاريخهم الإسلامي الهجري، فليس لهم الآن أي عذر في البقاء على تاريخ النصارى الميلادي، وقد أزال الله عنهم كابوس المستعمرين وظلمهم وغشمهم، ولقد سمعتم ما قيل من أن الصحابة رضي الله عنهم كرهوا التأريخ بتاريخ الفرس والروم"[2][2].