خطوات في طريق السعادة الزوجية
(الجزء الأول) ([1])
الحمد لله الذي خلق الأزواج كلها، وأعطى كلَّ شيء خلقه ثم هدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق الزوجين الذكر والأنثى، وأشهد أن نبينا وإمامنا وسيدنا محمداً عبده ورسوله، النبي المصطفى والرسول المجتبى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن دعا بدعوته، ومن سار على نهجه واقتفى، أما بعد:
فلقد أولى الإسلامُ موضوع الزواج شأنًا عظيماً، وأحاطه بأحكامٍ وقيود لا توجد في غيره من العقود التي يتعامل بها الناس، وأرشدَ في كل مرحلة من مراحله إلى جملةٍ من الآداب والأحكام، ومن ذلك أول خطوة فيه، وهي مرحلة الخطوبة والبحث عن الزوجة، فحري بالخاطب أن يتحرى في خِطبته، ويسأل عن ذات الدين والخُلق، وحريٌّ بالولي أن لا يزوج ابنتَه أو موليته إلا كفواً كريماً.
أيها الإخوة! كم حملت الأخبارُ من مآسٍ ونهايات محزنة لأُسرٍ قامت، فتفرقت بعد اجتماعها، ورجعت البنتُ إلى بيت وليها كسيرةً حسيرةً في أول أيام زواجها، لتبدأ رحلةَ انتظارٍ أخرى، وربما لم يأتِ خاطبٌ جديد، بسبب التقصير الظاهر الذي يقع مِن قِبَل أحدِ الطرفين في مرحلة الخِطبة، وربّما أسرع بعضُ الأولياء في إنهاء الموضوع خشيةَ أن لا يأتي خاطبٌ آخر، ولسان حاله يقول: مع زوجٍ مقصّر ولا تبقى بدون زواج! أو يكون التفريط من طرفِ البنت نفسها، خاصة إذا تأخر سنّها، ولسان حالها يقول: مع زوجٍ مفرّط خير من بقائي بدون زوج، وسيصلحه الله، فنظرات المجتمع تأكلني لماذا لم تتزوج؟ وبهذا المنطق الأعوج من قِبَل الولي أو المخطوبة تتجددُ المشاكلُ والأحزان في حياة المرأة وأهلها.
واللهُ تعالى حين جعل الولاية للأب أو لغيره من الأولياء، إنما جعلها لحِكَمٍ كثيرة، منها: أن الرجل غالبًا أعقل وأقدر على تجاوز المشاعر العاطفية عند بدء موضوع الخِطبة.
أيها الإخوة: ثمة أخطاء يقع فيها بعض الناس، تكون سبباً في تقليص دائرة السعادة الزوجية، ومنها ما يقع في أول مراحل بناء عشّ الزوجية، وهو موضوع الخِطْبَةِ، ومن ذلك:
1ـ التغاضي عن العيوب والأخطاء إذا كان الخاطب من الأقارب:
وكأن البنت وقْفٌ على هذا القريب أو ذاك، فيُغَضُ الطرفُ عن قضية الصلاح وعدمه، وهذا بلا ريبٍ ليس من الأمانة في شيء، وإذا كان الولي حين يشترى ثوبًا لا يناسب ابنتَه يرجعه للمحل ويبحث عن غيره، فكيف يُجبِرها بطريقة أو بأخرى على زوج لا يناسبها، وسيكون والدًا لأبنائها؟!
2 ـ عدم استشارة المخطوبة، وإجبارها على خطيبها:
اكتفاءً بقناعة الولي بصلاح الخاطب ونحو ذلك، ولا ريب أن هذا من الظلم للمرأة؛ بحرمانها من حقها الشرعي في إبداء الرأي في خطيبها، تأملوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تُنكح الأيمُ ـ يعني الثيب ـ حتى تُستأمر، ولا تُنكح البكرُ حتى تُستأذن" قالوا: يا رسول الله! وكيف إذنها ؟ قال: "أن تسكت"([2]) متفق عليه، أما إذا كان الخاطبُ غير مرضيّ السيرة والسُّمعة؛ فمن تمام المسؤولية عدم استشارتها أصلاً.
3 ـ تزويج البنت بغير الكفؤ:
إما لقلة اهتمامه، أو رغبةً في أن تتزوج مُوْليته بأيّ زوج، ليرتاح مِن تَبعتها، أو طمعاً في ماله، أو رغبة في الوجاهة، أو لغير ذلك من الأطماع، أما الدين والخُلق فآخر ما يَسأل عنهما إن هو سأل! وكم عانت كثيرٌ من النساء من أزواجٍ لا يُصلّون! أو يتعاطون المسكرات! أو غيرها من عظائم المنكرات.. فيا أيها الولي! ماذا تستفيد ابنتُك من مال الخاطب ومكانته الاجتماعية إذا هي حُرمت السعادة والحياة الكريمة؟! وماذا تستفيد من شهاداته ـ التي جعلتَها أساس القبول عندك ـ إذا كان فظاً غليظ القلب سّيئ المعاشرة؟!
يقول ابن تيمية رحمه الله: "ليس لأحد الأبوين أن يُلزم الولدَ بنكاحِ مَن لا يريد، وأنه إذا امتنع لا يكون عاقًا، وإذا لم يكن لأحد أن يلزمه بأكل ما يَنفر عنه - مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه - كان النكاح كذلك وأولى؛ فإن أكل المكروه مرارةُ ساعة، وعِشرة المكروه من الزوجين على طول يؤذي صاحبَه كذلك ولا يمكن فراقه"([3])ا.هـ، وفرقٌ كبير ـ أيها الناس ـ بين مَن يُقنع البنت أو الولد وبين من يُجبِره، فالإقناع مطلوب، والإجبار مرفوض.
تُحدِّثنا كتبُ التراجم أن حارسَ بستانٍ دخلَ عليه مالكُ البستان، وطلب منه أن يُحضر له رمانةً حلوةَ الطعم، فذهبَ الحارس وأحضر حبةَ رمان وقدّمها للمالك، وحين تذوقها الرجلُ وجدها حامضة! فقال: قلت لك: أريد حبة حلوة الطعم! أعطني رمانة أخرى، فذهب الحارسُ مرتين متتاليتين وفي كل مرة يكون طعم الرمّان الذي يحضره حامضًا! فقال صاحب البستان للحارس متعجبا: لك سنةٌ كاملة تحرس هذا البستان ولا تعلمُ مكانَ الرمان الحلو؟ فقال الحارس: إنك يا سيدي طلبتَ مني أن أحرس البستان، لا أن أتذوق الرمان! كيف لي أن أعرف مكان الرمان الحلو؟! فتعجب صاحبُ البستان من أمانة هذا الحارس وأخلاقه، فعرض عليه أن يزوجه ابنته ـ لاحظوا تاجر يزوّج فقيرًا صالحًا ـ فتزوجَ هذا الرجل من تلك الزوجة الصالحة، وكان ثمرة هذا الزواج هو: الإمام الذي جمع خصال البر: عبد الله ابن المبارك رحمه الله([4]).
فثقوا بالله ـ أيها الأولياء ـ أن شابًا تقيّا ميسور الحال، خيرٌ وأنفع في العاجل والآجل لبناتكم وأحفادكم من شاب ثريٍّ رقيق الدين.. هذا ما حدثنا به الشرعُ والتاريخُ والواقعُ.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة....
الخطبة الثانية
الحمد لله...أما بعد:
فمن الأخطاء التي تقع في هذا الموضوع:
4- ترك استشارة الآخرين في أمر الزواج، أو استشارة من ليس بأهل:
إما لكونه لا يوثَق بخبره أو دينه، وربما عمد البعضُ إلى صديقِ الخاطب مثلاً، فهنا ربما تُقلب الحقائق، فتقع البلايا والرزايا، وهذا كله لا يعني رفض استشارة الأقارب، ولكن لا يصح أن يُعتمَد عليها وحدها، بل لا بد من سؤالِ غيرهم ممن يعرفونهم، إما بجيرة أو عمل أو إمام المسجد، وفي المقابل فواجب على من استشير أن يمحض النصح للمستنصح، فمن الناس من يُستشار في قريبه أو صديقه مثلاً، فيُحجِم عن الجواب، أو لا يَصدُق في جوابه، فربما مدح من ليس أهلاً، أو أخفى شيئاً من المساوئ خشية ألا يتم الزواج فيقعد قريبه من دون زواج، وما علم هذا أن الله تعالى هو الذي يَقسم الأرزاق، وأن الصدق منجاة للجميع.
ولعِظم خطر هذا الموضوع، فقد أجاز الشرعُ الغيبة في مثل هذه لحال، والمستشار مؤتمن، والدين النصيحة.
وتبعاً لذلك، يقع البعض في خطأ آخر، ألا وهو: إفشاء سر المستشار: فتجد بعضَ الناس يُستشار في أمر خاطبٍ أو من يراد خطبتها يذيع السر، ولربما قال: إنما رددنا فلاناً لأننا استشرنا الرجل الفلاني فأفادنا أنه غير صالح، وهذا لا يجوز، لما فيه من خيانة الأمانة، وإفساد ذات البين، والمستشارُ لو علم أن المستشير سيذيع شيئاً من ذلك لما أخبره، والاستشارة عهدٌ وأمانة لا يجوز خيانتها: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً﴾[الإسراء: 34].
5- الخلوة بالمخطوبة أو الخروج بها: وهذا ثبت عندي بيقينٍ من خلال أسئلة الناس، ولا ريب أن هذا مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا يخلونّ رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما"([5])، والمخطوبة ما لم يُعقد عليها، فهي أجنبية من الرجل، ومع الخلوة لا يُؤمن الوقوع في المحذور.
وهنا تنبيه يتعلق بالزوجة إذا عُقد عليها، فإن بعض الناس يُسرف في أمرين:
1 ـ كثرة اللقاءات، وهذا - مع كونه جائزا - له أثره السيئ على برود العلاقة العاطفية بعد الدخول، مما قد يترتب عليه طلاق، كما قد وقع ذلك في أرض الواقع. وأشدُّ من ذلك: أن هذه اللقاءات قد يقع معها ما يقع بين الزوجين!
2 ـ كثرة المكالمات والحديث العاطفي، فإن بعض الشباب سيتنزف مخزونه العاطفي مع زوجته التي عَقد عليها، حتى إذا دخل عليها ليلة الزواج، وإذا به يدخل على امرأة وكأنه يعرفها منذ زمن!! بل قد ينشأ شقاق ونزاع في أثناء المكالمات بسبب الدخول في بعض التفاصيل.