تعلمت من ابن عثيمين(7)

QR code
د. عمر بن عبد الله المقبل
تاريخ التحديث: 2015-04-08 09:45:50

تعلمت من ابن عثيمين(7)

المعْلمُ السابع([1]): حرصه على تطبيق السنة في أموره كلها:

لم يكن شيخنا ـ رحمه الله ـ معلماً بقوله فحسب؛ بل كان يقرن ذلك بالعمل، والحرص على تطبيق السنن وإن دقّت، فصار عالماً ربانياً.

وأنت حين تقرأ له كلاماً في هذا الموضوع، فإنك تجد له وقعاً كبيراً في نفسك؛ لعلمك بأنه يطبق ما يقول، ومن ذلك قوله: "العلم بدون تربية يكون ضرره أكثر من نفعه، لكن مع التربية يكون العلم مؤديًا لنتيجته المقصودة، ولهذا قال الله تعالى ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾[آل عمران: 79]، هذه فائدة العلم أن يكون الإنسان ربانيًّا، بمعنى مُرَبِّيًا لعباد الله على شريعة الله"([2]).

والأمثلة التي تجلي هذه الحقيقة كثيرة:

منها: أنه حينما يقبل على المسجد ومعه أحد يتحدث، فإنه عند دخوله المسجد يقدِّم اليمنى ولا يترك دعاء الدخول، ولو كان ذلك الشخص يتحدث، وكذلك عند الخروج، ولا أذكر أنني رأيته يدخل الصلاة بدون سواك.

ومنها: أنه كان حريصاً على تنويع السنن التي وردت فيها بعض العبادات، كما في صفة التسبيح بعد الفرائض، وهو بذلك يترجم ما يقرره في دروسه في فوائد تنويع التطبيق: حفظ العلمُ، وتطبيق السنة،  وكسر الإلف الذي يُذْهبُ الاستحضار للأذكار.

ومنها: أنه كان يحرص على أداء السنة الراتبة في بيته ما لم يعرض عارض.

المعْلمُ الثامن: حرصه على الوقت:

وهذا شيءٌ مجمع عليه عند كل من عرف شيخنا ـ رحمه الله ـ، وقد رأيت أثر هذا المسلك في بعض طلابه الذين نفع الله بهم فيما بعد.

ومن مظاهر هذه العناية بالوقت عنده ـ رحمه الله ـ: ترتيب وقته وجدولِه اليومي، وضبطه لتوقيت الدروس، ولعدد الأسئلة التي تَعرِض في الدرس، وقد كان غالباً لا يسمح بأكثر من ثلاثة أسئلة عن الموضوع الواحد.

ومن ذلك: عنايته بضبط المواعيد، وكان يربي طلابه على ذلك، ومن ذلك ما حدّث به فضيلة أ.د.عبدالله الطيار: دعاني الشيخ عام 1403 لتناول وجبة الغداء، وقال لي: الموعد الساعة الثانية ظهراً، فحصل لي ظرف جعلني لا أصل إلى الشيخ إلا في الساعة الثانية وعشر دقائق، فلما وصلت وإذا بالشيخ راكب السيارة، فقلت: إلى أين يا شيخ؟ فقال: الأولاد عندكم وتغدوا معهم، فقلت: يا شيخ عفا الله عنك، نحن لا نريد الغداء، وإنما نريدك أنت، فقال: هذه المرة سأعفو عنكم ولكن المرة الثانية لا تتأخر([3]).

ومن مظاهر حرص الشيخ على الوقت: أن فترةَ ذهابِه من البيت إلى المسجد كانت عامرةً بقراءة حزبه من القرآن، ولم يكن يسمحُ لأحد بنقله في سيارته، وأما في طريق عودته من المسجد إلى البيت فلا تسل عن الاغتنام لهذه الدقائق، فهي إما في الفتيا، أو تصحيح بعض الكتب التي تفرّغ من الأشرطة([4])، فإن لم يوجد مستفتٍ أو مصحح لكتاب؛ فإنه يلبي رغبة بعض الطلاب الذين يريدون من الشيخ تعليقاً على بعض المتون المختصرة، وأعرف أكثر من كتاب مطبوع في الساحة هو من شرحه أثناء الطريق! كتعليقه على كتاب "كشف الشبهات"، وتعليقه على "منظومة القواعد الفقهية" لشيخه السعدي، وللحديث صلةٌ إن شاء الله.



([1]) أشرتُ في الأجزاء الأول والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس من هذه السلسلة إلى ستة معالم مما تميزت به شخصية شيخنا ـ رحمه الله ـ وهي: "وضوح الهدف"، "الثبات على المنهج والهدف الذي رسمه لنفسه"، "العناية بالقرآن حفظاً وفهماً وعملاً"، "حبّه لنشر العلم واغتنام الفرص لتبيلغ الشريعة"، "التثبت في النقل والحكم"، "عنايته بالتحصيل العلمي لطلابه" وأتابع في هذا المقال ذِكر بعض تلكم المعالم.

([2]) ينظر: كتاب "العلم" للعثيمين (ص: 185).

([3]) مقال لفضيلة أ.د.عبدالله الطيار في جريدة الجزيرة 20/10/1421هـ.

([4]) وقد رأيت هذا بنفسي مراراً.

  • الكلمات الدالة
5898 زائر
0 | 0
المقال السابق
المقال التالى

بين العشر والعشر


روابط ذات صلة
إن للحافظ ابن رجب : (ت: 795هـ) كتاباً بديعاً حافلاً بالفوائد، اسماه "لطائف المعارف"، جمع فيه من العلوم والفوائد المتعلقة بالشهور والأيام ما تَقرّ به عينُ طالب العلم، وراغب الفائدة. ومِن جملة هذه الفصول التي تحدث فيها؛... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:25:00
د. عمر بن عبد الله المقبل
أيها الإخوة في الله: إن نهاية الأعوام، وبداية السنوات لها في النفس أثرٌ معنوي، ودلالات معينة، وهي تختلف من شخص لآخر بحسب دينه، وبحسب نظرته للحياة، إلا أن المسلم الفطن -وهو يعيش أواخر عام وبدايات آخر- يتعامل مع هذه... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:24:07
د. عمر بن عبد الله المقبل
ففي مثل هذه الأيام من كل عام تتوارد الأسئلةُ على أهل العلم عن حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد. وكالعادة - في مثل هذه المسائل التي لا نص فيها- يقع الاختلاف بين أهل العلم، والأمر إلى هذا الحد مقبول؛ لكن أن يجعل ذلك من... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:23:36
أ.د. عمر بن عبدالله المقبل
إن المقام ليس مقام حديثٍ عن مزايا هذا التاريخ، بل هي نفثة مصدور مما أراه من استفحال التعلق بالتاريخ الميلادي إلى درجة ربط الشعائر الدينية به! ولو تأمل الإخوةُ -الذين يضعون تلك الوسوم (الهاشتاقات)- ما فيها من التناقض... المزيد
التاريخ: 28/12/1440هـ الموافق: 2019-08-29 06:54:23
د. عمر بن عبدالله المقبل
ومن المهم جداً ـ ونحن نتحدث عن هذه الصور وغيرها كثير ـ أن يكون أداؤها وفعلُها بلا مِنّة، بل بنفْسٍ منشرحة، تشعر بأن المنَّة كلَّها لله؛ أن جعل يدَه هي العليا المنفقة الباذلة، وأن يستشعر أنه لولا فضلُ الله لكان في مكان... المزيد
التاريخ: 29/11/1440هـ الموافق: 2019-08-01 07:42:10
د. عمر بن عبد الله المقبل
لقد طُرِقتْ هذه المسألةُ كثيراً، لكن مع تكرُّر الشكوى من المصائب، وتجدد الهمومِ والمنغّصات؛ كان تقريبُ كيفية تلقّي هذه الأقدار المؤلمة مِن الأهمية بمكان، مستفيداً من نصوص الوحيين، وكلام العلماء والعقلاء، وقد نظمتُها... المزيد
التاريخ: 18/11/1440هـ الموافق: 2019-07-21 08:25:37
التعليقات