الأسئلة القرآنية

QR code
د. عمر بن عبد الله المقبل
تاريخ التحديث: 2014-07-10 01:34:35

الأسئلة القرآنية

في أعقاب غزوة بدر، جاء جبير بن مطعم بن عدي ـ رضي الله عنه ـ يطلب أسيراً له في المدينة، فوافى دخوله إياها والنبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بسورة الطور، فلما بلغ هذه الآية: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ)[الطور: 35 - 37] قال جبير: كاد قلبي أن يطير! وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي([1]).

وفي عصرنا هذا، وجد أحدُ عامة المسلمين في الأسئلة القرآنية التي تتعلق بالثناء على الله، وتقرير أحقيته بالعبادة، وصدق رسله؛ ما يرقق به قلبه، ويستدر به دمعه، حين يردد مثل قوله تعالى: (أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)[إبراهيم: 10]، فيقول بكل يقين مصحوب بهيبة وإجلال: لا والله يا رب ما فيك شك! لا والله يا رب ما فيك شك!

إنها أسئلة القرآن التي تخاطب القلب والعقل، وتحرك فيه دواعي التأمل والتفكر؛ ليتعرف على مَن أَنزل القرآن، ويزداد الإيمانُ بتدبر كلامه، والتفكر في معانيه.

إنها الأسئلة القرآنية التي شَغَلَتِ مساحةً كبيرةً في كتاب الله تعالى، وتنوعت أساليبُها حسب سياقاتها، فمرةً يأتي السؤال للتوبيخ، ومرةً للإنكار، ومرةً للاستبطاء، إلى غير ذلك من الأساليب المعروفة والمبسوطة في كتب التفسير والبلاغة، فمن أرادها فليراجعها في مظانها.

إن من المحزن أن تمرّ مئاتُ الأسئلةِ القرآنية، والاستفهاماتُ التي تملأ القلب إيماناً وإخباتاً وخضوعاً لذي العظمة والجلال؛ دون أن يتوقف القارئُ عندها توقفاً يحرّك به أدوات التأمل والتفكر والتدبر.

ولئن كان قد يصعب على عموم الناس تحديدَ نوعِ الاستفهام في عدد من الآيات الكريمة، فإنه ـ بلا ريب ـ لا يَصعب على كل عربيّ أو من يفهم العربية أن يتفاعل مع جملةٍ من الأسئلة لو توقَّف عندها قليلاً، وأجاب عليها بقلبه قبل لسانه.. وأدار فيها التأملَ ولو لحظاتٍ يسيرة.

فمثلاً .. مَنْ يقرأ تلك الأسئلة القرآنية التي عقّب اللهُ بها قَصص بعضِ الأنبياء في سورة النمل ولا يتحرك قلبُه إجلالاً وتعظيماً لله؛ فقراءته ناقصة!

تأمل هذه الأسئلة التي تقتلع شجرةَ الشرك من القلب! وتغرس التوحيدَ وتعظيمَ جنابِ الرب عز وجل! (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ؟

أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ؟ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ

أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا؟ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.

أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ؟ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ؟ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ.

أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ؟ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ؟ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ.

أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ؟ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ؟ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ؟ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[النمل: 59 - 64].

ومن الذي يقرأ تلك الأسئلةَ التي تتابعت في سورة الواقعة، ولا يلهج لسانه بالتعظيم لمستحقه سبحانه! ولا ينكسر قلبُه شعوراً بعجزه وضعفه أمام قدرة الله تعالى!

تأمل! (نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ * أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ* وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ!

أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ؟ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ؟ لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ!

أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ!

أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ؟ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)[الواقعة: 57 - 74].

وبعدُ: فإن الحديث عن أسئلة القرآن، وأنواع الاستفهام فيه يحتاج لمجلد كبير، ولا يمكن أن يستوعبه مقالٌ عابر، وإنما المراد لفتُ النظر إلى هذا المفتاح العظيم من مفاتيح التدبر، وفتح القلوب والعقول عند تلاوة كلام الرحمن؛ عسى الله أن يصلح بهذا القرآن ما فسد من قلوبنا، ويلين ما قسى منها.

 



([1]) هذا سياق مجموع من عدة روايات في البخاري، انظر: ح(4854)، (4023).

  • الكلمات الدالة
13412 زائر
56 | 0
المقال السابق

أختم أم أتدبر؟

المقال التالى

خطوات الظهيرة


روابط ذات صلة
إن للحافظ ابن رجب : (ت: 795هـ) كتاباً بديعاً حافلاً بالفوائد، اسماه "لطائف المعارف"، جمع فيه من العلوم والفوائد المتعلقة بالشهور والأيام ما تَقرّ به عينُ طالب العلم، وراغب الفائدة. ومِن جملة هذه الفصول التي تحدث فيها؛... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:25:00
د. عمر بن عبد الله المقبل
أيها الإخوة في الله: إن نهاية الأعوام، وبداية السنوات لها في النفس أثرٌ معنوي، ودلالات معينة، وهي تختلف من شخص لآخر بحسب دينه، وبحسب نظرته للحياة، إلا أن المسلم الفطن -وهو يعيش أواخر عام وبدايات آخر- يتعامل مع هذه... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:24:07
د. عمر بن عبد الله المقبل
ففي مثل هذه الأيام من كل عام تتوارد الأسئلةُ على أهل العلم عن حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد. وكالعادة - في مثل هذه المسائل التي لا نص فيها- يقع الاختلاف بين أهل العلم، والأمر إلى هذا الحد مقبول؛ لكن أن يجعل ذلك من... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:23:36
أ.د. عمر بن عبدالله المقبل
إن المقام ليس مقام حديثٍ عن مزايا هذا التاريخ، بل هي نفثة مصدور مما أراه من استفحال التعلق بالتاريخ الميلادي إلى درجة ربط الشعائر الدينية به! ولو تأمل الإخوةُ -الذين يضعون تلك الوسوم (الهاشتاقات)- ما فيها من التناقض... المزيد
التاريخ: 28/12/1440هـ الموافق: 2019-08-29 06:54:23
د. عمر بن عبدالله المقبل
ومن المهم جداً ـ ونحن نتحدث عن هذه الصور وغيرها كثير ـ أن يكون أداؤها وفعلُها بلا مِنّة، بل بنفْسٍ منشرحة، تشعر بأن المنَّة كلَّها لله؛ أن جعل يدَه هي العليا المنفقة الباذلة، وأن يستشعر أنه لولا فضلُ الله لكان في مكان... المزيد
التاريخ: 29/11/1440هـ الموافق: 2019-08-01 07:42:10
د. عمر بن عبد الله المقبل
لقد طُرِقتْ هذه المسألةُ كثيراً، لكن مع تكرُّر الشكوى من المصائب، وتجدد الهمومِ والمنغّصات؛ كان تقريبُ كيفية تلقّي هذه الأقدار المؤلمة مِن الأهمية بمكان، مستفيداً من نصوص الوحيين، وكلام العلماء والعقلاء، وقد نظمتُها... المزيد
التاريخ: 18/11/1440هـ الموافق: 2019-07-21 08:25:37
التعليقات