معقول تحبون آل البيت؟

QR code
د. عمر بن عبد الله المقبل
تاريخ التحديث: 2018-09-08 10:06:10

معقول تحبون آل البيت؟


هذا السؤال الذي عنونت به مقالتي هذه ليس افتراضياً، بل هو نص ما قالته أختٌ شيعية ـ اهتدت للسنة لاحقا ـ اتصلت بي قبل تحولها للسنة، وكان عندها إشكالات كثيرة حول حقيقة موقف أهل السنة من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم!

وقد بلغت من الشك أن طلبت مني يميناً مغلّظة على أننا ـ معشر السنة ـ نحب آل البيت، ونواليهم، ونتبرأ ممن آذاهم، وقتل سادتهم وعامتهم ظلماً وعدواناً.. فلما حلفتُ اطمأنّتْ، بل أخبرتها أن أئمة السنة ـ الذين صنفوا في العقائد ـ يضمّنون كتبهم أبواباً وفصولاً بل ويؤلفون كتباً مستقلة في بيان حقوق آل البيت في الشريعة، فزادت دهشتها! وقالت: والله مُذْ تفتحت عيناني على الدنيا، وأنا ألقّن أن أهل السنة أعداء لآل البيت، فلا تلمني حين استقر ذلك في قلبي.

انتهت المكالمة، وأنا أعرف أن هذه الأخت ـ وأمثالها كثير وبعضهم من العامة ـ فازددتُ يقيناً بقناعةٍ سابقة، وهي أن كثيراً من الشيعة ـ ومنذ زمان بعيد ـ قد حُجبوا عن الحقيقة الناصعة، التي لا يستريب فيها منصف، وهي: أن محبة آل البيت السائرين على نهج سيدهم وإمامهم صلى الله عليه وسلم، من الشعائر التي يتعبد أهل السنة لله بها، ويربون صغارهم عليها، والمقال لا يناسبه سرد شيء من كلامهم في هذا الباب، ومن أراده فهو موجود في مظانه، ولكن سأقتصر على هذا النص من كلام الإمام ابن تيمية [ت: 728 هـ]في العقيدة "الواسطية" مبيناً معتقد أهل السنة فيهم حيث قال: "ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال يوم غدير خم: «أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي»، وقال أيضا للعباس عمه؛ وقد شكا إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم؛ فقال: «والذي نفسي بيده؛ لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي»" انتهى([1]).

وربما ساعد على استقرار ما ذكرته الأخت في مكالمتها، ما يوجد من تقصير أو جفاء أحياناً من بعض أهل السنة في الحفاوة بذكر أهل البيت وحقوقهم التي ثبتت بها النصوص.

وأختم هذه الأسطر بنداء إلى عقلاء الشيعة وعامتهم، أن يقرأوا، ويطلعوا على مصادر أهل السنة الأصلية، وليقرأوا من كتب أهل السنة، ولا يأخذوا عمن ينقل عنهم، فقد يقع بتر أو نقص أو تحريف، وألا يرهنوا عقولهم في أمور دينهم لأي أحد ـ مهما كان ـ، بل يطلبون الدليل من الكتاب والسنة.

وفي المقابل، فإنني آمل من أهل السنة عامةً وخاصة، أن يحذروا عن عبارات القذف والشتم، خاصةً عند الحوارات، فالحق عليه نور، وليس هو بحاجة لذلك، بل ولا يصلح معه، وأما ما التبس من الحق، فإنه يكشف بالحجة والبرهان.

وقد صرّحتْ لي الأخت التي صدّرتُ المقال بقصتها، فقالت: كلما دخلت في نقاش جاد مع بعض أهل السنة، أسألُ فيه عما أشكل عليّ، رماني بعض الناس بأنني ابنة ....!! هنا يعمى البصر، وتُصمُّ الأذن عن سماع الطرف الآخر، ويشوش الذهن، فلا يتصور شيئاً، ولو كان يملك من الأدلة أوضحها وأنصعها!

فرفقاً أهل السنة بمخالفيكم، وليكن شعاركم: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: 44]، والحالات الاستثنائية تقدر بقدرها. والله الموفق.



([1]) وينظر كلام الحافظ الذهبي عن الأئمة الاثني عشر ـ رحمهم الله ـ في "سير أعلام النبلاء" (13/ 120)، فهو غاية في الإنصاف وبيان مقامهم في الإسلام والخلافة.

  • الكلمات الدالة
11681 زائر
1 | 0
المقال السابق

بين ورقتي تقويم


روابط ذات صلة
إن للحافظ ابن رجب : (ت: 795هـ) كتاباً بديعاً حافلاً بالفوائد، اسماه "لطائف المعارف"، جمع فيه من العلوم والفوائد المتعلقة بالشهور والأيام ما تَقرّ به عينُ طالب العلم، وراغب الفائدة. ومِن جملة هذه الفصول التي تحدث فيها؛... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:25:00
د. عمر بن عبد الله المقبل
أيها الإخوة في الله: إن نهاية الأعوام، وبداية السنوات لها في النفس أثرٌ معنوي، ودلالات معينة، وهي تختلف من شخص لآخر بحسب دينه، وبحسب نظرته للحياة، إلا أن المسلم الفطن -وهو يعيش أواخر عام وبدايات آخر- يتعامل مع هذه... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:24:07
د. عمر بن عبد الله المقبل
ففي مثل هذه الأيام من كل عام تتوارد الأسئلةُ على أهل العلم عن حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد. وكالعادة - في مثل هذه المسائل التي لا نص فيها- يقع الاختلاف بين أهل العلم، والأمر إلى هذا الحد مقبول؛ لكن أن يجعل ذلك من... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:23:36
أ.د. عمر بن عبدالله المقبل
إن المقام ليس مقام حديثٍ عن مزايا هذا التاريخ، بل هي نفثة مصدور مما أراه من استفحال التعلق بالتاريخ الميلادي إلى درجة ربط الشعائر الدينية به! ولو تأمل الإخوةُ -الذين يضعون تلك الوسوم (الهاشتاقات)- ما فيها من التناقض... المزيد
التاريخ: 28/12/1440هـ الموافق: 2019-08-29 06:54:23
د. عمر بن عبدالله المقبل
ومن المهم جداً ـ ونحن نتحدث عن هذه الصور وغيرها كثير ـ أن يكون أداؤها وفعلُها بلا مِنّة، بل بنفْسٍ منشرحة، تشعر بأن المنَّة كلَّها لله؛ أن جعل يدَه هي العليا المنفقة الباذلة، وأن يستشعر أنه لولا فضلُ الله لكان في مكان... المزيد
التاريخ: 29/11/1440هـ الموافق: 2019-08-01 07:42:10
د. عمر بن عبد الله المقبل
لقد طُرِقتْ هذه المسألةُ كثيراً، لكن مع تكرُّر الشكوى من المصائب، وتجدد الهمومِ والمنغّصات؛ كان تقريبُ كيفية تلقّي هذه الأقدار المؤلمة مِن الأهمية بمكان، مستفيداً من نصوص الوحيين، وكلام العلماء والعقلاء، وقد نظمتُها... المزيد
التاريخ: 18/11/1440هـ الموافق: 2019-07-21 08:25:37
التعليقات