وجدت الكتاب

QR code
د. عمر بن عبد الله المقبل
تاريخ التحديث: 2015-03-18 01:02:06

وجدتُ الكتاب

 

طرحتُ في الأسبوع الماضي مقالةً عنوانها دلني على كتاب، فقال بعض الأفاضل: لقد قطعتَ نصف الطريق في الجواب عن تلك الأسئلة! فكيف يمكن التدرج في الطلب؟! ولمن أستمع من أهل العلم الذين حُفِظت دروسهم الصوتية؟

والحقيقة أن مقالةً كهذه لا تحتمل التفصيل في ذكر مراتب التدرج في الطلب، ولكن حسبي هنا أن أشير إلى بعض المعالم؛ لأن "المختصرات والمطولات التي يؤسَّسْ عليه الطَلَب والتلقي لدى المشايخ تختلف غالباً من قُطْر إلى قُطْر باختلاف المذاهب، وما نشأ عليه علماء ذلك القُطْر من إتقان هذا المختصر والتمرس فيه دون غيره.

والحال هنا تختلف مِن طالبٍ إلى آخر باختلاف القرائح والفهوم، وقوة الاستعداد وضعفه، وبرودة الذهن وتقوده"([1]) .

وفي بلادنا ـ حرسها الله ـ وبعد الصحوة العلمية التي قادها علماء أكابر، وعلى رأسهم أشياخنا الكرام: ابن باز (ت: 1420هـ)، وابن عثيمين (ت: 1421هـ) رحمهم الله؛ اختط الناس في رسم المناهج العلمية التأصيلية مناهج مختلفة، وطرائق شتى، لكنها ـ في الجملة ـ تجتمع على جملةٍ من المتون في شتى الفنون، سأشير إليها من باب التذكرة، ولكلٍّ وجهة هو موليها، والمهم أن لا يخرج طالبُ العلم عن جادة العلماء في التأصيل، في البلد الذي يترعرع فيه.

وثمة أمرٌ آخر ينبغي التوكيد عليه، وهو أن هذه الكتب المذكورة إنما هي لمرحلة التأسيس والتأصيل، لا التخصص الدقيق([2]).

ففي توحيد العبادة: "ثلاثة الأصول وأدلتها"، و"القواعد الأربع"، ثم "كشف الشبهات"، ثم "كتاب التوحيد"؛ أربعتها للشيخ محمد بن عبد الوهاب. رحمه الله.

وفي توحيد الأسماء والصفات: "العقيدة الواسطيه"، ثم "الحموية"، و "التدمرية"؛ ثلاثتها لابن تيميه. رحمه الله.

وفي الحديث: "الأربعين النووية"، ثم "عمدة الأحكام" للمقدسي، ثم "بلوغ المرام" لابن حجر، ثم "المنتقى" للمجد، ثم الانتقال لقراءة الجوامع والأصول الكبار؛ كالأُمّاتِ الست وغيرها.

وفي المصطلح: "نخبة الفكر" لابن حجر، ثم "معرفة أنواع علوم الحديث" لابن الصلاح، مع الإفادة من شرح السخاوي لألفية العراقي.

وفي الفقه: "المنهج" للسعدي، أو "عمدة الفقه" لابن قدامة، ثم "زاد المستقنع" للحجاوي، أو "أخصر المختصرات" لابن بلبان.

وفي أصول الفقه: "الورقات" للجويني، مع شرح الفوزان، ثم "الأصول من علم الأصول" للعثيمين ، ثم "روضة الناظر" لابن قدامة.

وفي القواعد الفقيهة: "منظومة القواعد الفقيهة" للسعدي، ثم منظومة العثيمين مع شرحها له.

وفي الفرائض: "الرحبية" مع شروحها، أو: "البرهانية" مع شرحها للعثيمين.

وفي التفسير: تفسير السعدي، ثم "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير.

وفي أصول التفسير: رسالة السيوطي في أصول التفسير، ثم "المقدمة" لشيخ الإسلام ابن تيمية.

وفي السيرة النبوية: "الفصول" لابن كثير،  ثم "زاد المعاد" لابن القيم.

وفي النحو: "الأجرومية"، ثم "القَطْر" لابن هشام، ثم "ألفية ابن مالك" ومن أيسر شروحها لعصرنا شرح الفوزان.

وفي العربية: ينبغي أن يعتني بأشعارها، كـ"المعلقات السبع" وشرحها للزوزني، والقراءة في "القاموس" للفيروز آبادي، فإن قصُرت همتُه؛ فليكن له حظ من العناية بغريب القرآن والسنة، ومِن أشهر الكتب: "غريب القرآن" لابن قتيبة، و"النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير([3]).

 

وأما ما يتعلق بالدروس الصوتية: فإنني أوصي بالعناية بدروس شيخنا العلامة محمد ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ ففيها العلم المؤصّل، والرسوخ، والعبارة الواضحة.

وأختم بجميل من القول، دبّجته يراع عالم إمام مجرِّب في هذا الباب، ألا وهو العلامة السعدي حيث يقول - معلقاً على حديث: "احرص على ما ينفعك..."([4]) -:

"والحالة التقريبية: أن يجتهد طالبُ العلم في حفظ مختصر من مختصرات الفن الذي يشتغل فيه، فإن تعذر أو تعسر عليه حفظه لفظاً؛ فليكرره كثيراً، متدبراً لمعانيه، حتى ترسخ معانيه في قلبه، ثم تكون باقي كتب هذا الفن كالتفسير والتوضيح والتفريع لذلك الأصل الذي عرفه وأدركه؛ فإن الإنسان إذا حفظ الأصول وصار له ملكة تامة في معرفتها هانت عليه كتب الفن كلها - صغارها وكبارها - ومن ضيّع الأصول حرم الوصول.

فمن حرص على هذا الذي ذكرناه، واستعان بالله؛ أعانه الله، وبارك في علمه وطريقه الذي سلكه.

ومن سلك في طلب العلم غير هذه الطريقة النافعة؛ فاتت عليه الأوقات، ولم يُدرك إلا العناء، كما هو معروف بالتجربة، والواقع يشهد به، فإن يسر الله له معلماً يُحسن طريقة التعليم، ومسالك التفهيم؛ تم له السبب الموصل إلى العلم" انتهى.

والله الموفق والهادي.



([1]) حلية طالب العلم: ( 157) بتصرف يسير.

([2]) ولمزيد من التفصيل ينظر موقع مركز التبيان:  http://www.altebiyan.com/.

([3]) استفدتُ في أصل هذا السرد من كلام الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله، وأضفت وحذفتُ بحسب اختلاف وجهات النظر المبنية على نظرة في واقع الجهود المبذولة في التأصيل العلمي.

([4]) هو الحديث الثاني من الأحاديث التي شرحها الشيخ رحمه الله في كتابه "بهجة قلوب الأبرار" فانظر تخريجه، وفوائده في (ص: 48 - 55) – بتحقيقي – فكلامه نفيس ومهم.

  • الكلمات الدالة
6286 زائر
0 | 0
المقال السابق

دلني على كتاب

المقال التالى

روابط ذات صلة
إن للحافظ ابن رجب : (ت: 795هـ) كتاباً بديعاً حافلاً بالفوائد، اسماه "لطائف المعارف"، جمع فيه من العلوم والفوائد المتعلقة بالشهور والأيام ما تَقرّ به عينُ طالب العلم، وراغب الفائدة. ومِن جملة هذه الفصول التي تحدث فيها؛... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:25:00
د. عمر بن عبد الله المقبل
أيها الإخوة في الله: إن نهاية الأعوام، وبداية السنوات لها في النفس أثرٌ معنوي، ودلالات معينة، وهي تختلف من شخص لآخر بحسب دينه، وبحسب نظرته للحياة، إلا أن المسلم الفطن -وهو يعيش أواخر عام وبدايات آخر- يتعامل مع هذه... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:24:07
د. عمر بن عبد الله المقبل
ففي مثل هذه الأيام من كل عام تتوارد الأسئلةُ على أهل العلم عن حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد. وكالعادة - في مثل هذه المسائل التي لا نص فيها- يقع الاختلاف بين أهل العلم، والأمر إلى هذا الحد مقبول؛ لكن أن يجعل ذلك من... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:23:36
أ.د. عمر بن عبدالله المقبل
إن المقام ليس مقام حديثٍ عن مزايا هذا التاريخ، بل هي نفثة مصدور مما أراه من استفحال التعلق بالتاريخ الميلادي إلى درجة ربط الشعائر الدينية به! ولو تأمل الإخوةُ -الذين يضعون تلك الوسوم (الهاشتاقات)- ما فيها من التناقض... المزيد
التاريخ: 28/12/1440هـ الموافق: 2019-08-29 06:54:23
د. عمر بن عبدالله المقبل
ومن المهم جداً ـ ونحن نتحدث عن هذه الصور وغيرها كثير ـ أن يكون أداؤها وفعلُها بلا مِنّة، بل بنفْسٍ منشرحة، تشعر بأن المنَّة كلَّها لله؛ أن جعل يدَه هي العليا المنفقة الباذلة، وأن يستشعر أنه لولا فضلُ الله لكان في مكان... المزيد
التاريخ: 29/11/1440هـ الموافق: 2019-08-01 07:42:10
د. عمر بن عبد الله المقبل
لقد طُرِقتْ هذه المسألةُ كثيراً، لكن مع تكرُّر الشكوى من المصائب، وتجدد الهمومِ والمنغّصات؛ كان تقريبُ كيفية تلقّي هذه الأقدار المؤلمة مِن الأهمية بمكان، مستفيداً من نصوص الوحيين، وكلام العلماء والعقلاء، وقد نظمتُها... المزيد
التاريخ: 18/11/1440هـ الموافق: 2019-07-21 08:25:37
التعليقات