الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

ففيما يتعلق بقص اللحية أو تهذيبها –كما يقولون- سواء بالقص أو بغيره، فلم يكن هذا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، بل الذي ثبت عنه قولًا وفعلًا خلاف ذلك، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله كثير شعر اللحية".([1])

وهناك العديد من الأحاديث الصحيحة عنه صلى الله عليه وسلم في الأمر بإعفاء اللحى وتوفير اللحى، وليس فيها تقصير اللحى ولا تهذيب اللحى، ولا نعلم حديثًا يحدد طولها وعرضها.

وفي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، -وهذا لفظ مسلم- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خالفوا المشركين أحفوا الشوارب، وأوفوا اللحى"([2])، وفي رواية البخاري: "وفروا اللحى وأحفوا الشوارب"([3])، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس"([4])، وفي صحيح البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنهكوا الشوارب وأعفوا اللحى"([5])، وغيرها من الأحاديث الكثيرة.

وبالنظر لهذه الكلمات النبوية: أعفوا – أرخوا- أوفوا – وفروا، يتبين أن هديه صلى الله عليه وسلم في اللحية تركها وإعفاؤها، وعدم الأخذ منها، وقد قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } [الأحزاب: 21].

قال الإمام النووي رحمه الله: "فحصل خمس روايات: أعفوا، وأوفوا، وأرخوا، وأرجوا، ووفروا، ومعناها كلها: تركها على حالها. هذا هو الظاهر من الحديث الذي تقتضيه ألفاظه".(^[6])

وقال أيضًا: "والصحيح كراهة الاخذ منها مطلقا –يعني اللحية- بل يتركها على حالها كيف كانت؛ للحديث الصحيح: "واعفوا اللحي"، وأما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلي الله عليه وسلم: "كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها"، فرواه الترمذي([7]) باسناد ضعيف لا يحتج به".(^[8])

وقد دلّت الآثار عن الصحابة وبعض الأئمة أنه يجوز أخذ ما زاد على القبضة، كما صحّ ذلك عن ابن عمر، وأبي هريرة وغيرهما من الصحابة، ولا يعرف لهم مخالف، وبعضهم قيّد ذلك في الحج والعمرة، كما روي عن جابر رضي الله عنهم جميعا.

وكذلك أستثنى بعض أهل العلم من ذلك، ما إذا كانت اللحية طويلة طولًا فاحشًا، أو عريضة عرضًا فاحشًا خارجًا عن الطور المعهود، مشوها للخلقة، فقد روى ابن القاسم عن مالك أنه قال: لا بأس أن يؤخذ ما تطاير من اللحية وشذ، قيل لمالك فإذا طالت جدًا؟ قال: أرى أن يؤخذ منها وتقص، وروي عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة أنهما كانا يأخذان من اللحية ما فضل عن القبضة(^[9])، والله تعالى أعلم.