الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإن الصورة التي سألتِ عنها من صور
العضل التي نصّ عليها الفقهاء، وهو محرّم في الشريعة الإسلامية، قال تعالى:
{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا
تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ
بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ
لَا تَعْلَمُونَ } [البقرة: 232]، وفي صحيح البخاري من حديث معقل بن يسار
رضي الله عنه أن أُخْتُهُ كانت تَحْتَ رَجُلٍ
فَطَلَّقَهَا ، ثُمَّ خَلَّى عَنْهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ، ثُمَّ
خَطَبَهَا فَحَمِىَ مَعْقِلٌ مِنَ ذَلِكَ أَنَفًا فَقَالَ خَلَّى عَنْهَا وَهْوَ
يَقْدِرُ عَلَيْهَا ، ثُمَّ يَخْطُبُهَا فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ
تَعْضُلُوهُنَّ ) إِلَى آخِرِ الآيَةِ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَ عَلَيْهِ،
فَتَرَكَ الْحَمِيَّةَ وَاسْتَقَادَ لأَمْرِ اللَّهِ".([1])
وبناء
على ذلك، فلا يجوز لولي المرأة أن يمنعها من الزواج بالكفء الذي رضيت به، وقد نصّ
الفقهاء على أنه إذا منعها من الزواج بالكفء، وتكرر منه ذلك، فإنه يفسق بذلك
وتنتقل الولاية إلى أقرب العصبة، وإلا زوجها القاضي.
قال
ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: "ليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد،
وأنه إذا امتنع لا يكون عاقاً وإذا لم يكن لأحد أن يلزمه بأكل ما ينفر عنه مع قدرته
على أكل ما تشتهيه نفسه= كان النكاح كذلك وأولى؛ فإن أكل المكروه مرارة ساعة وعشرة
المكروه من الزوجين على طول يؤذي صاحبه كذلك ولا يمكن فراقه"([2]).
ونذكّر
هنا كلّ وليٍّ تلبّس بهذا المنكر العظيم أن يتقي الله في بناته ومن ولاه الله من
النساء، وأن يحرص على أن يَحْصِنَهُنَّ بالمعروف،
فإن العضل
من أشد أنواع الظلم الذي يقع على البنات من أقربائهن وأوليائهن، وليتذكر موقفا
يقفه بين يدي الله تعالى، وليحذر أن يكون خصمًا له بين يدي الله، وقبل القيامة،
ليحذر أن تدعو عليه هذه المرأة المسكينة، التي لا تجد ناصرا إلا الله.
وأذكر أنني سمعتُ شيخنا ابن عثيمين ـ
رحمه الله ـ على المنبر يذكر هذه القصة، وهي أن فتاة حضرها الموت، وقد تجاوزت العشرين
من عمرها، وكانت تخطب كثيرًا، ومرغوبة عند الناس، وأبوها يأبى، وفي سياق الموت قالت
للنساء الحاضرات: بلغوا أبي السلام، وقولوا له: إن بيني وبينه موقفاً يوم القيامة بين
يدي الله ـ عزّ وجل ـ حيث منعني أن أتزوج، نسأل الله العافية.
ارسال الفتوى