ما صحة حديث : لا تصوموا يوم السبت

QR code
أ.د. عمر بن عبدالله المقبل
تاريخ التحديث: 2015-10-23 18:51:01
  • الكلمات الدالة
السؤال كاملا

ما درجة حديث لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم؟ وما مسالك العلماء في النظر إلى هذا الحديث؟ ة: وما حكم صومه إذا وافق صوم يوم السبت يوم نفل كعرفة أو عاشوراء أو البيض؟

الإجابة

 هذا الحديث أخرجه أبو داود وغيره، ونظراً لكثرة الكلام فيه، فسنذكر سند أبي داود، ثم نخرجه، ونذكر من طرقه ما يتبين به حاله، ثم نبين بعد ذلك مسالك أهل العلم في النظر إليه، فنقول:

قال أبو داود رحمه الله في باب النهي أن يخص يوم السبت بصوم ح (2421):  

حدثنا حميد بن مسعدة، حدثنا سفيان بن حبيب / ح / وحدثنا يزيد بن قبيس من أهل جَبَلة، حدثنا الوليد، جميعاً عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن عبدالله بن بسر السلمي، عن أخته، وقال يزيد (الصماء):  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "لا تصوموا يوم السبت إلاّ فيما افترض عليكم، وإن لم يجد أحدكم إلاّ لحاء([1]) عنبةٍ أو عود شجر فليمضغه".

قال أبو داود:  هذا الحديث منسوخ .

وهذا مختصر النظر في حال رواة هذا الإسناد:

1 – حميد بن مسعدة:  ابن المبارك السامي أو الباهلي، بصري.

قال النسائي:  ثقة، وقال أبو حاتم:  كان صدوقاً. وذكره ابن حبان في الثقات، وقد لخص الذهبي وابن حجر حاله بقولهما: "صدوق".

ولعل حال حميد أحسن من ذلك، فإن النسائي وثقه، وأما كلام أبي حاتم فيه، فإنه يقول هذه الكلمة في ائمة ثقات، كالإمام مسلم صدوق !

فالأقرب فيه أنه ثقة، وهو ـ على الأقل ـ ليس كيزيد بن قبيس الآتي ـ الذي اعتمد فيه الحافظان على توثيق إنسان غير مشهور في مزكي رواة الأخبار، وهذا غريب من الحافظين رحمهما الله، والله أعلم.

2 – سفيان بن حبيب:  البصري، البزاز، أبو محمد، وقيل غير ذلك، مات سنة 182، وقيل 186، وله 58 سنة"ثقة".

3 – يزيد بن قبيس:  بموحدة ومهملة مصغر، ابن سليمان الشامي، من أهل جبلة روى عن الوليد بن مسلم، وإسماعيل بن عياش وغيرهما وعنه أبو داود وأبو جعفر محمد بن الخضر الرقي([2]) وقال عنه:  ثقة، ذكره ابن حبان في الثقات. وقد اعتمد الحافظان الذهبي وابن حجر مقولة تلميذه أبي جعفر الرقي، وعلى رواية أبي دواد عنه، فقالا عنه: "ثقة"([3]).

4 – الوليد:  هو ابن مسلم، وهو ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية.

5 – ثور بن يزيد:  بزيادة تحتانية في أول اسم أبيه، أبو خالد الحمصي، مات سنة 150، وقيل 153، وقيل 155هـ .روى عن خالد بن معدان، وأبان بن عياش وأبي الزناد وعنه الوليد بن مسلم، وسفيان بن حبيب، ووكيع والسفيانان وغيرهم،"ثقة ثبت، إلاّ أنه يرى القدر".

6 – خالد بن معدان:  الكلاعي الحمصي، أبو عبدالله، مات سنة 103هـ وقيل بعد ذلك .روى عن ثوبان، وعبادة بن الصامت، وعبدالله بن بسر وغيرهم وعنه ثور بن يزيد وحريز بن عثمان الرحبي وغيرهما،"ثقة عابد يرسل كثيراً".

7 – عبدالله بن بسر:  بضم الموحدة وسكون المهملة، المازني، صحابي صغير
ولأبيه صحبة، مات سنة 88 وقيل 96 هـ، وله 100 سنة، وهو آخر من مات بالشام من الصحابة .روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخته الصماء، وقيل عمّته، وقيل خالته وسيأتي تحرير ذلك إن شاء الله. وعنه خالد بن معدان، وأبو الزاهرية وغيرهما .

8 – أختة:  هي الصماء بنت بسر المازنية، يقال اسمها:  بهية، لها صحبة وحديث. روت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقيل:  عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، في النهي عن صوم يوم السبت، وسيأتي تحرير ذلك إن شاء الله .

أما تخريج هذا الحديث فبيانه كالتالي:

*أخرجه الترمذي ح (744)، والنسائي في"الكبرى"([4]) ح (2763)، وابن ماجه ح (1726)، ثلاثتهم (الترمذي، والنسائي، وابن ماجه) عن حميد بن مسعدة به بنحوه.

*وأخرجه الحاكم 1/435 من طريق صفوان بن صالح، عن الوليد بن مسلم به بنحوه.

*وأخرجه النسائي 2/143 ح (2761)، وابن ماجه 1/550 ح (1726) من طريق عيسى بن يونس،

والنسائي 2/144 ح (2765) من طريق بقية بن الوليد،

والنسائي 2/143 ح (2762) من طريق أصبغ بن زيد،

والنسائي أيضاً 2/144 ح (2764) من طريق عبدالملك بن الصبّاح،

وأحمد 6/368، والدارمي 1/445 ح (1698)، وابن خزيمة 2/317 ح (2164)، من طريق أبي عاصم النبيل،

وابن أبي عاصم في"الآحاد"6/185 ح (3413)، وتمام في"الفوائد"2/198 من طريق أبي بكر عبدالله بن يزيد المقري،

والطبراني في"الكبير"24/330 ح (819) من طريق قرة بن عبدالرحمن،

والطبراني في"الكبير"24/330 ح (821) من طريق الفضل بن موسى،

وتمام في"الفوائد"2/199، وأشار إليه أبو دواد ح (2424) من طريق الأوزاعي،

تسعتهم (عيسى، وبقية، وأصبغ، وعبدالملك، وأبو عاصم، وأبو بكر عبدالله بن يزيد، وقرة، والفضل، والأوزاعي) عن ثور بن يزيد به بنحوه، إلاّ أن عيسى بن يونس لم يذكر أخته، بل جعله عن عبدالله بن بسر مرفوعاً وفي حديث بقية قال:  عن عبدالله بن بسر عن عمته الصماء، وفي حديث أبي بكر المقرئ قال:  عن عبدالله بن بسر، عن أمه،

*وأخرجه النسائي 2/145 ح (2769) عن سعيد بن عمرو الحمصي،

والنسائي في 2/144 ح (2766) عن عمرو بن عثمان،

والنسائي أيضاً 2/45 ح (2770) عن عمران بن بكار، عن يزيد بن عبد ربه،

ثلاثتهم (سعيد، وعمرو، ويزيد) عن بقية بن الوليد،

وأحمد 6/368، والطبراني في مسند الشاميين 2/406 من طريق إسماعيل بن عياش،

والنسائي 2/144 ح (2767) من طريق محمد بن حرب،

وفي 2/144 ح (2768) من طريق عبدالله بن سالم،

أربعتهم (بقية، وإسماعيل، ومحمد، وعبدالله) عن محمد بن الوليد الزبيدي، عن لقمان بن عامر، عن خالد بن معدان به بنحوه، إلاّ أن سعيداً في حديثه عن بقية جعله عن خالته الصماء، وجعله عمرو بن عثمان من مسند عبدالله بن بسر، وجعل بين لقمان بن عامر، وخالد بن معدان رجلاً اسمه:  عامر بن جشيب، وجعله يزيد – في حديثه عن بقية – من مسند عبدالله بن بسر، ورواه عن الزبيدي، عن عامر بن جشيب، عن خالد بن معدان فلم يذكر لقمان بن عامر، ورواه محمد بن حرب، وعبدالله بن سالم فجعلاه عن الزبيدي عن الفضيل بن فضالة، عن خالد بن معدان، إلاّ محمد بن حرب قال في حديثه:  عن ابن بسر عن خالته، وجعله ابن سالم، عن عبدالله بن بسر، عن أبيه .

*وأخرجه النسائي2/145ح(2771) من طريق داود بن عببيد الله عن خالد بن معدان به بنحوه إلاّ أنه جعله عن عبدالله بن بسر عن أخته الصماء عن عائشة مرفوعاً.

*وأخرجه النسائي 2/143ح (2759)، وابن حبان 8/379 ح (3615) من طريق مبشر بن إسماعيل،

وأحمد 4/189 من طريق علي بن عياش،

والروياني في"المسند"2/307 من طريق أبي المغيرة عبدالقدوس الخولاني،

ثلاثتهم (مبشر، وعلي، وأبو المغيرة) عن حسان بن نوح،

والنسائي 2/143 ح (2760)، وابن خزيمة 3/317 ح (2164) من طريق معاوية بن صالح، عن ابن عبدالله بن بسر،

وأحمد 4/189 من طريق الوليد بن مسلم عن يحيى بن حسان،

ثلاثتهم (حسان بن نوح، وابن عبدالله بن بسر، ويحيى بن حسان) عن عبدالله بن بسر مرفوعاً – لم يذكروا أخته – إلاّ أن أبا المغيرة في حديثه عن حسان بن نوح جعله عن حسان، عن أبي أمامة الباهلي مرفوعاً، وجعله معاوية بن صالح في حديثه عن ابن عبدالله بن بسر، عن أبيه، عن عمته الصماء أخت بسر .

الحكم عليه:

ظاهره إسناده الصحة إلا أنه شاذ المتن ـ كما سيأتي بيانه إن شاء الله ـ.

وعنعة الوليد هنا لا تضر لأنه توبع من جماعة فالحديث معروف عن ثور بن يزيد، إلاّ أنه وقع فيه اختلاف على عبدالله بن بسر وعلى من دونه في تسمية الصحابي، على أوجه، وهذا ملخصها:  

الوجه الأول، جعل الحديث من مسند الصماء بنت بسر:  

وقد رواه ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن عبدالله بن بسر، عن أخته الصماء، وقد اختلف في إسناده على ثور:  

1 – فرواه الجماعة عنه – ومنهم أصبغ بن زيد، وعبدالملك بن الصباح، وأبو عاصم النبيل، والأوزاعي، وقرة بن عبدالرحمن وغيرهم ممن تقدم ذكرهم – كلهم عن ثور، عن خالد، عن عبدالله عن أخته .

2 – وخالفهم في ذلك بقية، فرواه عن ثور، عن خالد، عن عبدالله، عن عمته الصماء، ولعل هذا وهم من بقية، فإن الأكثرين رووه عن ثور، وهم جميعاً من الثقات سوى قرة بن عبدالرحمن .

3 – وخالف جمهور الرواة عن ثور، عيسى بن يونس، فرواه عن ثور، عن خالد

عن عبدالله بن بسر مرفوعاً ن فلم يذكر أخته، وهذا أيضاً مخالف لرواية الجماعة

من أصحاب ثور، ولذلك قال أبو نعيم في"الحلية"5/218: "غريب من حديث خالد، تفرد به عيسى عن ثور"ا.هـ

وعليه فالمحفوظ في حديث ثور، هو روايته عن خالد بن عبدالله، عن أخته الصماء وهذا هو أقوى الأوجه عن خالد، وعن عبدالله بن بسر، كما ذكر ذلك الدارقطني في
"العلل"5/197 / ب، حيث قال: "والصحيح عن ابن بسر، عن أخته"ا.هـ.

ولأن ثوراً هو أوثق من روى هذا الحديث عنه، بينما المخالفون إما مجهول
أو غير موثق من قبل الأئمة المعتبرين – كما سيأتي – إضافة إلى أن ثوراً كان له مزيد عناية بحديث خالد بن معدان، كما ذكر ذلك عنه الوليد بن مسلم، كما في ترجمته في تهذيب الكمال 4/423.

الوجه الثاني، جعله من مسند عبدالله بن بسر:  

وقد روى هذا الوجه عن ابن بسر كل من:  

1 – يحيى بن حسان، إلاّ أن الإسناد إلى يحيى من رواية الوليد بن مسلم عنه، وقد
عنعنه، ولم أقف على طريق عن يحيى سوى هذا الطريق، وعليه فلا يعتد بهذه الطريق لعنعنة الوليد، لكثرة تدليسه وتسويته عن الضعفاء والمجاهيل، فيخشى أن يكون سواه، والله أعلم .

2 – حسان بن نوح، وقد اختلف عليه في تسمية الصحابي:  

أ – فرواه مبشر بن إسماعيل، وعلي بن عياش عنه، عن عبدالله بن بسر مرفوعاً .

ب – ورواه أبو المغيرة الخولاني، عن حسان، عن أبي أمامة الباهلي مرفوعاً .

وهذا الاختلاف يحتمل أن يكون من حسان نفسه، فإنه لم يوثقه سوى العجلي، وذكره ابن حبان في الثقات، كما في تهذيب التهذيب 2/232 .

ويحتمل أن يكون من أبي المغيرة، فإنه كان صدوقاً، كما قال أبو حاتم، وقال عنه النسائي:  ليس به بأس، ووثقه العجلي، والدارقطني، وذكره ابن حبان في الثقات، كما في تهذيب التهذيب 6/324 . وقد خالفه في هذا الحديث ثقتان، وهما مبشر، وعلي، كما في ترجمتهما من تهذيب الكمال، مبشر في 27/190، وعلي في 21/81 .

3 – خالد بن معدان:  وذلك فيما رواه عمرو بن عثمان، ويزيد بن عبد ربه
كلاهما عن بقية بن الوليد، عن الزبيدي، عن لقمان بن عامر، عن خالد .

وقد اختلف على بقية في إسناده، كما تقدمت الإشارة إليه في التخريج فيحتمل أن يكون الاضطراب من بقية، ويحتمل أن يكون من لقمان بن عامر، فإنه لم يوثقه سوى العجلي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال عنه أبو حاتم:  يكتب حديثه، كما في تهذيب التهذيب 8/398، وقد قال عنه الذهبي في"الميزان"3/419: "صدوق"وكذا قال ابن حجر في التقريب (464) والله أعلم .

وسبق في الوجه الأول أن أقوى الأوجه عن خالد ما رواه عن عبدالله عن أخته .

الوجه الثالث، جعله عن عبدالله بن بسر، عن أبيه:  

وقد روى هذا الوجه الفضيل بن فضالة – فيما رواه عبدالله بن سالم، عن الزبيدي عنه – عن خالد بن معدان، عن عبدالله بن بسر، عن أبيه .

وهذا الوجه لا يصح، لأن الفضيل هذا في عداد المجاهيل، ولم أجد فيه كلاماً سوى ذكر ابن حبان له في"الثقات"، وقد قال عنه ابن حجر في"التقريب"(448)"مقبول، أرسل شيئاً"، ومع هذا فقد خولف في إسناده كما تقدم .

الوجه الرابع، جعله عن عبدالله بن بسر، عن خالته:  

وهذا من رواية الفضيل الذي سبق الكلام عليه آنفاً، فهو وجه لا يصح.

الوجه الخامس، جعله عن عبدالله بن بسرعن أخته الصماء عن عائشة:  

وقد رواه داود بن عبيد الله، عن خالد بن معدان، عن عبدالله بن بسر به .

وهذا الوجه لا يصح أيضاً، لأن داود هذا مجهول، كما في"الميزان"2/12
و"التقريب"(199) .

الوجه السادس، جعله عن عبدالله بن بسر عن خالته الصماء:  

وقد روى هذا الوجه لقمان بن عامر – فيما رواه عنه سعيد بن عمرو الحمصي، عن بقية بن الوليد، عن محمد بن الوليد الزبيدي عنه – عن خالد بن معدان .

وقد تقدم توجيه مثل هذا في الكلام على الطريق الثالث من طرق الوجه الثاني .

الوجه السابع، جعله عن عبدالله بن بسر عن أمه:  

وقد رواه عبدالله بن يزيد المقرئ أبو بكر، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان عن عبدالله، عن أمه، كذا قال الراوي في كنية عبدالله بن يزيد المقرئ، والمشهور أن كنيته:  أبو عبدالرحمن فلعله وهم .

وهذا الوجه يتبين نقده من خلال ما تقدم من الكلام على الطريق الثالث من طرق الوجه الثاني، وأن أصح الأوجه عن خالد بن معدان، كون الحديث من مسند الصماء أخت عبدالله بن بسر، وعبدالله المقرئ، قد خالف جمهور الرواة، عن ثور عن خالد كما سبق وعليه فهذا الوجه مرجوح .

الوجه الثامن:  جعله عن عبدالله بن بسر عن عمته الصماء أخت بسر عن أبيه عن عمته الصماء :

وقد رواه خالد بن معدان – فيما رواه بقية بن الوليد عن ثور عنه – عن عبدالله عن عمته.

أما طريق ابن عبدالله بن بسر فلا تصح، لأن ابن عبدالله بن بسر مجهول لا يعرف، ولم يسم، كما في الميزان 4/593، والتقريب (695).

وأما رواية بقية، فهي مرجوحة أيضاً، كما تقدم من أن أصح الأوجه عن خالد هو جعله من مسند الصماء أخت عبدالله، وبقية لم يتابعه أحد – فيما وقفت عليه – على قوله: "عمته الصماء".

وبعد:  فقد سلك العلماء – رحمهم الله – تجاه هذا الحديث ثلاثة مسالك:  

المسلك الأول:  من رأى أن الحديث لا يصح، وعباراتهم في ذلك مختلفة، فبعضهم يشير إلى العلة الإسنادية، وبعضهم عبر عن ذلك بشذوذ المتن، ومن هؤلاء:  

1 – الإمام الزهري:  فقد روى أبو داود عنه عقب إخراج حديث الباب
 أنه قال: "هذا حديث حمصي"ا.هـ قال الطحاوي في"شرح المعاني"2/81 مبيناً مراد الزهري: "فلم يعده الزهري حديثاً يقال به، بل ضعّفه"ا.هـ

2 – الإمام مالك:  كما نقل ذلك عنه أبو داود ـ عقب إخراج الحديث ـ حيث قال: "هذا كذب"ا.هـ

وقد اعترض بعض أهل العلم على كلمة الإمام مالك هذه، منهم:

النووي حيث قال في"المجموع"6/439: "وهذا القول لا يقبل، فقد صححه الأئمة …" ثم نقل قول الحاكم في تصحيحه.

ومنهم: الحافظ عبدالحق الإشبيلي – كما في تهذيب السنن لابن القيم 3/302ـ حيث قال: "ولعل مالكاً إنما جعله كذباً من أجل رواية ثور بن يزيد الكلاعي، فإنه كان يرمى بالقدر، ولكن كان ثقة فيما يروي …"ا.هـ

ومنهم: ابن عبدالهادي، فقد قال عن كلام الإمام مالك –كما في"المحرر"1/379:  "وفيه نظر"ا.هـ

وهذا – فيما يظهر – ذهاب من هؤلاء العلماء إلى أن مالكاً يرى أنه مكذوب
 أي موضوع، ولعل الأقرب أن المراد من كلامه، أنه خطأ ووهم، والكذب يطلق في لغة أهل الحجاز ويراد به الخطأ، كما في لسان العرب 1/709 والله أعلم .

3 – الأوزاعي:  فقد ذكر أبو داود عنه – عقب ذكر كلام الزهري السابق – أنه قال: "مازلت له كاتماً رأيته انتشر"ا.هـ

4 – يحيى بن سعيد القطان:  فقد ذكر الإمام أحمد – كما في تهذيب السنن لابن القيم 3/298 – عنه أنه كان ينفيه، وأبى أن يحدث به، وقد كان سمعه من ثور، قال أحمد:  فسمعته من أبي عاصم"ا.هـ قال ابن القيم عقب ذلك: "فهذا تضعيف للحديث"ا.هـ.

5 – الإمام أحمد : كما نقل ذلك عنه الأثرم – كما في تهذيب السنن لابن القيم 3/298 – وقال الأثرم: "حجة أبي عبدالله في الرخصة في صوم يوم السبت:  أن الأحاديث كلها مخالفة لحديث عبدالله بن بسر، منها …"ثم ذكر بعضها .

6 – الأثرم:  ويفهم رأيه من خلال كلامه الذي نقله عنه ابن القيم فيما تقدمت الإشارة إليه .

7 – النسائي: فقد نقل عنه ابن حجر في "التلخيص" 2/216 أنه قال: هذا
حديث مضطرب"اهـ. مع أن صنيعه في السنن الكبرى، يشير إلى أنه يميل إلى النسخ وسيأتي قريباً.

8 – الطحاوي:  حيث قال شرح المعاني 2/80: "ففي هذه الآثار المروية في هذا، إباحة صوم يوم السبت تطوعاً، وهي أشهر وأظهر في أيدي العلماء من هذا الحديث الشاذ، الذي قد خالفها"اهـ .

9 – شيخ الإسلام ابن تيمية:  كما في المستدرك على مجموع الفتاوى 3/178 .

10 – ابن القيم:  كما في تهذيب السنن 3/298 .

11 – ابن حجر:  حيث قال في"التلخيص"2/216 في معرض جوابه عمن صحح الحديث بحجة أن بعض الأمر أقوى من بعض، أو أن الحديث يحتمل أن يكون عند عبدالله عن أبيه، وعن أخته – قال:  ـ:  

لكن هذا التلون في الحديث الواحد، بالإسناد الواحد مع اتحاد المخرج يوهن
راويه وينبئ بقلة ضبطه، إلا أن يكون من الحفاظ المكثرين المعروفين بجمع طرق الحديث فلا يكون ذلك دالاً على قلة ضبطه، وليس الأمر هنا كذا، بل اختلف فيه أيضاً على الراوي عبدالله بن بسر أيضاً …"ا.هـ

المسلك الثاني:  أن الحديث منسوخ، وقد ذهب إليه بعض الأئمة، ومنهم:  

1 – أبو داود، وسبق قوله عقب إخراج الحديث : "وهذا الحديث منسوخ"ا.هـ.

2 – النسائي:  على أن نسبة هذا القول إليه محل احتمال، إذ إنه بوّب في سننه الكبرى 2/143 فقال:  باب النهي عن صيام يوم السبت، ثم قال بعد ذلك 2/145 باب الرخصة في صيام يوم السبت، ثم ذكر حديث جنادة الأزدي وسيأتي الكلام عليه لاحقاً إن شاء الله تعالى .

وإنما قلت محل احتمال، لأن صنيع النسائي هذا قد يكون مراده التبويب على المتون، فيحتمل أن يكون تقوية للحديث، ويحتمل أنه جواب على فرض ثبوته .

المسلك الثالث:  هو تقوية الحديث، والقول بأن النهي منصب على تخصيص إفراده، وقد ذهب إلى هذا جمع من أهل العلم، ومنهم:  

1 – الترمذي 3/120 .

2 – ابن خزيمة 3/316 .

3 – ابن حبان 8/379 .

4 – ابن شاهين كما في"ناسخ الحديث ومنسوخه"ص(333) ح(398، 399) .

5 – البغوي في"شرح السنة"6/361 .

6 – ابن الملقن، كما في شرحه لعمدة الأحكام 5/273 .

وهذا المسلك لا يستقيم مع متن الحديث – لو صح – ؛ لأن قوله: "لا تصوموا
يوم السبت إلا فيما افترض عليكم"دليل على المنع من صومه مطلقاً – في غير الفرض – سواء أضيف إليه يوم أم أفرد، فالحديث لم يستثن سوى الفريضة، فدلّ على أن
الباقي داخل تحت النهي، ولو كان النهي منصبًا على الإفراد، لقال كما في يوم الجمعة: "لا تصوموا يوم الجمعة، إلاّ أن تصوموا يوماً قبله، أو يوماً بعده"، وقد ذكر هذا الجواب، ابن القيم:  في"تهذيبه"3/298 .

ولعل أقرب المسالك في هذا هو المسلك الأول، والذي ذهب إليه أكثر
 الأئمة، من القول بتضعيف هذا الحديث، ويرجح هذا القول أدلة كثيرة منها:  

1 – ما روته أم المؤمنين، جويرة بنت الحارث سا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال:  أصمت أمس ؟ قالت:  لا، قال:  تريدين أن تصومي غداً ؟ قالت:  لا، قال:  فأفطري".

أخرجه البخاري ح (1986)، وغيره.

2 – ما سبقت الإشارة إليه في حديث جنادة الأزدي رضي الله عنه:  أنهم دخلوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثمانية نفر، وهو ثامنهم، فقرب إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعاماً يوم الجمعة فقال: "كلوا" قالوا:  صيام، قال: "صمتم أمس؟" قالوا:  لا . قال: "فصائمون غداً؟"، قالوا: لا، قال:  "فأفطروا".

أخرجه النسائي ح (2773)، وابن أبي شيبة 2/302 ح (9242)، والطحاوي في"شرح المعاني"2/79 والطبراني في"الكبير"2/281 ح (2173 – 2176)، والحاكم 3/608 من طرق عن ابن لهيعة، ومحمد بن إسحاق، والليث بن سعد، ثلاثتهم عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبدالله اليزني، عن حذيفة الأزدي، عن جنادة بن أبي أمية الأزدي، وألفاظهم متقاربة.

والحديث في إسناده حذيفة الأزدي، لم يرو عنه سوى أبي الخير مرثد بن عبدالله اليزني، كما في تهذيب الكمال 5/510، وقد قال عنه الذهبي في"الميزان": "مجهول"، وقال ابن حجر في "التقريب" (154): "مقبول"، ومع ذلك فقد صحح إسناده ابن حجر في"الفتح"4/275 ح (1986)، فلعله صححه بشواهده، والتي منها حديث جويرية السابق.

3 – حديث كريب مولى ابن عباس، أن ابن عباس وناساً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثوني إلى أم سلمة أسألها عن أي الأيام كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر لصيامها؟ فقالت: يوم السبت والأحد، فرجعت إليهم، فأخبرتهم، فكأنهم أنكروا ذلك، فقاموا بأجمعهم إليها، فقالوا:  إننا بعثنا إليك هذا في كذا وكذا، وذكر أنك قلت كذا، فقالت:  صدق، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر ما كان يصوم من الأيام السبت والأحد، وكان يقول:  إنهما عيدان للمشركين، وأنا أريد أن أخالفهم".

أخرجه أحمد 6/323، وابن خزيمة 3/318 ح (2167)، واللفظ له، وابن حبان 8/381 ح (3616)، والحاكم 1/436، وغيرهم من طرق عن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه أن كريباً … فذكره .

والحديث صححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وحسنة ابن القطان في "بيان الوهم"4/269، رغم أنه حكم على عبدالله بن محمد، ووالده بالجهالة، فلعله حسنه بالشواهد، وقال ابن مفلح في"الفروع"3/124: "صححه جماعة، وإسناده جيد"اهـ.

والحديث في إسناده عبدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، قال عنه ابن المديني:  وسط، وقال ابن سعد:  كان قليل الحديث، كما في تهذيب التهذيب 6/18، ووثقه الدارقطني كما في سؤالات البرقاني رقم (85)، وكذا وثقه الذهبي في"الكاشف"1/595، وقال ابن حجر في"التقريب (321):  مقبول .

كما أن أباه:  محمد بن عمر، ذكره ابن حبان في"الثقات"5/353، وقال ابن القطان في"بيان الوهم"4/267: "لا تعرف حاله"، وقال الذهبي في"الكاشف"2/205: "ثقة"وفي"الميزان"3/668 قال: "ما علمت به بأساً، ولا رأيت لهم فيه  كلاماً …"ا.هـ وقال ابن حجر عنه (498): "صدوق".

فمع بيان حال هذين الراويين، يشبه – والله أعلم – أن يكون قول ابن القطان فيه أقرب، وهو أنه حسن، لما في هذين من الاختلاف في حالهما، ولتصحيح ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم لحديثهم، والله أعلم .

4 – من أوجه تضعيف هذا الحديث، ما ذكره الطحاوي وغيره – كما في
"شرح المعاني"2/80 : "وقد أذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صوم عاشوراء وحضّ عليه، ولم يقل إن كان يوم السبت فلا تصوموه، ففي ذلك دليل على دخول كل الأيام فيه، وقد قال رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -: "أحب الصيام إلى الله عزوجل صيام داود عليه السلام كان يصوم يوماً ويفطر يوماً" …ففي ذلك أيضاً، التسوية بين يوم السبت وبين سائر الأيام، وقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصيام أيام البيض …، وقد يدخل السبت في هذه كما يدخل فيها غيره من سائر الأيام"ا.هـ

وما قاله هذا الإمام ظاهر جداً، ويقال ذلك أيضاً في صيام أيام الست من شوال وقد ثبت عنه أنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يصوم حتى يقال لا يفطر، ويفطر حتى يقال لا يصوم، ومثل هذا التواصل في الصيام منه - صلى الله عليه وسلم - لا يتصور أن يكون لمدة تقل عن أسبوع، وفي ضمن ذلك يوم السبت، وأيضاً ثبت عنه في صحيح مسلم وغيره، أنه لم يكن يبالي من أي الشهر صام من أوله أو أوسطه أو آخره ولم تذكر عائشة – الراوية لهذا الحديث – تحرزه من هذا اليوم، مع أنها من أخص الناس به - صلى الله عليه وسلم -.

فإن قال قائل:  مثل هذا يأتي في النهي عن صيام يوم الجمعة أيضاً، فيجاب عنه بما تجيبون به وهو أن النهي عن الإفراد، فيقال:  هذا الاعتراض قائم لولا ما سبق في الجواب من أن قوله"إلاّ فيما افترض عليكم"يقطع الاحتمال بأن المراد من النهي إنما هو الإفراد".

ويقال أيضاً:  مثل هذا الحكم الذي تضمنه هذا الحديث، والذي لا يعرف إلاّ من طريق هذه الصحابية بل لا تعرف هذه الصحابية إلا به، يحتاج إلى إسناد قوي سالم من مثل هذه العلة التي سبق الكلام عليها، لأنه حكم شديد، لا يمكن أن يخفى مثله على أمهات المؤمنين، وعلى كبار فقهاء الصحابة سم أجمعين، الذين هم أعلم الناس بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك كان الأوزاعي ـ فقيه الشام ـ، ويحيى القطان وغيرهما من الأئمة يتقون هذا الحديث، حتى إن القطان لم يحدث به الإمام أحمد لغرابته.

وبناء على ما سبق من الكلام في الحديث، فلا بأس حينئذ من صوم يوم السبت إذا وافق يوما يستحب صومه، كعاشوراء وعرفة ونحوها بلا كراهة، والله أعلم.



([1]) قوله"لحاء":"اللحاء: بكسر اللام، قال التوربشتي: اللحاء ممدود، وهو قشر الشجر"ا هـ . ينظر: عون المعبود 7/49 .

([2]) هذا الرجل من المقلين جداً في تزكية الرواة، ولم أقف له على ترجمة، إلا أن له ذكراً في ضمن تلاميذ وشيوخ بعض رجال"التهذيب".

([3]) قارن بين اعتماد الحافظين على توثيق الرقي لشيخه، وعدم اعتبارهما لتوثيق النسائي في حميد بن مسعدة شيخ أبي داود الذي مضت ترجمته آنفاً. ينظر: تهذيب الكمال 32/226، الكاشف 2/388، التقريب / 604 .

([4])جميع الإحالات في هذا الحديث إلى سنن النسائي الكبرى .

11618 زائر
10 | 0
المقال السابق
المقال التالى

روابط ذات صلة
التاريخ: 1/9/1435هـ الموافق: 2014-06-28 06:53:51
التاريخ: 1/9/1435هـ الموافق: 2014-06-28 01:26:57
التاريخ: 1/9/1435هـ الموافق: 2014-06-28 06:57:18
التاريخ: 1/11/1440هـ الموافق: 2019-07-04 13:09:28
التاريخ: 1/9/1435هـ الموافق: 2014-06-28 06:59:08
التاريخ: 1/9/1435هـ الموافق: 2014-06-28 00:55:45
التعليقات