هذه المسألة تُشكِل كثيراً على بعض طلاب العلم، وللجواب عنها سأضرب مثالاً ينطبق على سؤال السائل، وهو ما ورد في قصة وفاة أبي طالب عمّ النبي صلى الله عليه وسلم، التي رواها البخاري ح(3884)، ومسلم ح(39) ـ واللفظ له ـ: من حديث سعيد بن المسيب، عن أبيه، قال: لما حضرتْ أبا طالب الوفاةُ جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد عنده أبا جهل، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عم! قل: لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك بها عند الله))، فقال أبو جهل، وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب! أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضْها عليه، ويعيد له تلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلَّمهم: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أما والله لأستغفرن لك ما لم أُنْه عنك))، فأنزل الله عز وجل: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾[التوبة: 113]، وأنزل اللهُ تعالى في أبي طالب، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾[القصص: 56].
ومن المتفق عليه أن وفاة أبي طالب في مكة، وآية التوبة مدنية، فكيف الجمع؟
والجواب: أن الصحابي أو مَن دونه، قد يعبِّر عن نزول الآية في مثل هذا، وهو يريد أنها نزلت في شأن كذا، لا أن الآية مكية ونزلت بسبب تلك القصة تحديداً، بل نزلت لتُرشد في التعامل مع أمثال هذه المواقف، وهي هنا: لا يجوز للمسلم أن يستغفر للمشرك ولو قريباً عزيزاً عليه.
وبهذا يتبين الجواب عن السؤال الثاني.
وأقول: إن دعوى نزول القرآن مرتين خلاف الأصل، وقولٌ فيه نظر، وتحتاج لدليل واضح، فالأصل أن الآية لا تنزل إلا مرةً واحدة، إذْ يقال: ما فائدة نزولها مرةً ثانية وهي مثبتة في قلب النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى وسائل كتابة المصحف في ذلك الوقت؟ والله تعالى أعلم.
ارسال الفتوى