(نَجْد) التي يخرج منها قرن الشيطان

QR code
د. عمر بن عبد الله المقبل
تاريخ التحديث: 2014-06-28 01:22:59
  • الكلمات الدالة
السؤال كاملا

ذكر لي بعض الناس حديثاً حيرني وظهر لي منه أن اتباع مشايخ هذا البلد هو أمر غير مرغوب فيه، هذا هو الحديث وأرجو تفسيره بوضوح ودقة، وجزاكم الله خيراً "جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وسألوه أن يدعو لهم فقال: ((اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا)) فقالوا: ونجدنا يا رسول الله؟ فلم يجب إلا بالبركة للشام واليمن"، وعند سؤالهم له في المرة الثالثة قال:((هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان)) مروي في الصحيحين.

الإجابة

شكر الله لك سؤالك وحرصك على معرفة معاني حديث نبيك صلى الله عليه وسلم التي قد يشكل بعضها، والواقع أن السائل يحسن على من يسأله من حيث لا يشعر، فيفتح له أبواباً من العلم، ويتسبب في بحث المسألة وإزالة الإشكال، بل ونفع غيره من الناس الذين قد يطلعون على الجواب،  فشكر الله لك حرصك،  وبارك فيك،  وبعد –يا محب- فإن الجواب عن هذا الإشكال الذي أورده البعض، من عدة وجوه:


الوجه الأول:

أنه ينبغي أن يُعرف المراد بكلمة نجد الواردة في الحديث،  وأي النواحي يراد بها؟ فالذي نص عليه جماعة من أئمة اللغة،  والمؤلفون في غريب الحديث والشراح، أن المراد بنجد هنا ما كان من جهة العراق،  يقول الخطابي –رحمه الله- في (أعلام الحديث:4/2330): "نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها، وهي مشرق أهلها، وأصل النجد: ما ارتفع من الأرض، والغور ما انخفض منها، وتهامة كلها من الغور،  ومكة من تهامة".

وفي (النهاية:5/18)لابن الأثير: "والنَّجد: ما ارتفع من الأرض وهو اسم خاص لما دون الحجاز مما يلي العراق" ا.هـ.

وقال في (لسان العرب:3/413): "وما ارتفع عن تهامة إلى أرض العراق فهو نجد" فعلم بهذا أن المراد بنجد هو ما كان موالياً لجهة العراق، من جهة المشرق –مشرق المدينة-.


الوجه الثاني:

أن من أهل العلم من حمل قوله صلى الله عليه وسلم هذا على ذلك الوقت الذي صدرت منه هذه الكلمة،  إشارة منه إلى ما كان من ربيعة ومضر؛ لأنهم هم الذين عاندوا النبوة وقسوا عن إجابة الحق وقبول الدعوة،  وهم بالصفة التي وصف أهل خيل وإبل وأصحاب وبر،  وممن نصر هذا القول القاضي عياض المالكي في شرحه على مسلم(1/296)،  ومال إليه ابن عبد البر في (التمهيد:17/12) والقرطبي في(المفهم:1/239).


الوجه الثالث:

أن التاريخ أثبت أن أكثر الفتن والقلاقل التي تجرعت الأمة ويلاتها جاءت من جهة العراق وخراسان،  وإن كانت لا تخلو جهة من جهات بلاد الإسلام من ذلك، يقول ابن عبد البر –رحمه الله- في(التمهيد:17/12) - معلقاً على حديث ابن عمر رضي الله عنهما- قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى المشرق يقول: ((ها إن الفتنة ها هنا، إن الفتنة ها هنا، من حيث يطلع قرن الشيطان)) البخاري(3105) ومسلم(2905)-: "فأخبر صلى الله عليه وسلم عن إقبال الفتن من ناحية المشرق، وكذلك أكثر الفتن من المشرق انبعثت، وبها كانت نحو: الجمل، وصفين، وقتل الحسين  وغير ذلك مما يطول ذكره، مما كان بعد ذلك من الفتن بالعراق وخراسان إلى اليوم، وقد كانت الفتن في كل ناحية من نواحي الإسلام،ولكنها بالمشرق أكثر"؟ ا.هـ.

ومما يؤيد قول ابن عبد البر أن المدينة نفسها مهاجر النبي صلى الله عليه وسلم وقع فيها بعض الفتن الكبيرة في تاريخ الإسلام، كفتنة مقتل عثمان رضي الله عنه، وفتنة الحرة المشهورة التي وقعت زمن يزيد بن معاوية.

بل إن سبب القتال الذي وقع بعد ذلك في الجمل وصفين والنهروان إنما كان بسبب الفتنة التي وقعت في المدينة بمقتل عثمان رضي الله عنه، يقول ابن حجر في(الفتح:13/16) في شرح الحديث(7060): "وكل القتال وقع في ذلك العصر إنما تولد عن شيء من ذلك أو عن شيء تولد عنه"ا.هـ.


الوجه الرابع:

أن الفتنة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم لا تنحصر في نوع معين،  بل الأمر كما قال ابن عبد البر في(التمهيد:17/12) في شرح الحديث السابق: "وقد يحتمل أن تكون الفتنة في هذا الحديث معناها الكفر، وكانت المشرق يومئذ دار كفر فأشار إليها، والفتنة لها وجوه في اللغة،منها: العذاب، ومنها: الإحراق، ومنها: الحروب التي تقع بين الناس،ومنها: الابتلاء والامتحان وغير ذلك، على حسب ما قد ذكره أهل اللغة" ا.هـ.


الوجه الخامس:

حتى ولو قيل بأن المقصود به العراق أو نجد في الاصطلاح المعاصر فلا يلزم منه أن تترك الاستفادة من العلماء في تلك النواحي والبلاد، فهذه العراق – التي نص كثير من الشراح على أنها المراد بهذا الحديث- كم رحل إليها من صحابي جليل؟ كابن مسعود وأبي موسى وعمران وأنس وغيرهم من أجلاء الصحابة رضي الله عنهم، وكم عاش فيها من أئمة الهدى، وفقهاء الملة، وحفاظ السنة، الذين أنجبتهم بلاد الرافدين؟ فمن الذي يجهل أصحاب ابن مسعود؟! أو أصحاب أنس؟!

ومن الذي لا يعرف الأئمة أبا حنيفة، والشافعي وأحمد، رحمهم الله تعالى؟! وغيرهم كثير جداً، بل لو قال قائل: إن أكثر علماء الأمة الكبار كانوا من تلك النواحي لم يكن مجانباً للصواب، فهل فهم أحد من ذلك ترك الاستفادة منهم لأنهم عاشوا بل ولدوا في تلك البلاد؟! كلا، فكذلك الحال في غيرها من البلاد الإسلامية،(نَجْد) وغيرها؛ لأن المعول عليه هو اتباع العالم للكتاب والسنة وسيره على طريقة سلف الأمة في أي بلد كان.

وهذه المدينة النبوية وهي خير بلاد الدنيا بعد مكة، ومهاجر النبي صلى الله عليه وسلم،  ومأرز الإيمان، لم تسلم من الفتن الكبيرة –كما سبقت الإشارة إليه- فهل امتنع عن الاستفادة من علمائها أحد في القديم والحديث؟

أسأل الله تعالى أن يجمع قلوبنا على الهدى، وأن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يثبتنا على دينه حتى نلقاه، إنه سميع مجيب، والله أعلم،  وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

3771 زائر
0 | 0
المقال السابق
المقال التالى

روابط ذات صلة
التاريخ: 1/9/1435هـ الموافق: 2014-06-28 06:53:51
التاريخ: 1/9/1435هـ الموافق: 2014-06-28 01:26:57
التاريخ: 1/9/1435هـ الموافق: 2014-06-28 06:57:18
التاريخ: 1/11/1440هـ الموافق: 2019-07-04 13:09:28
التاريخ: 1/9/1435هـ الموافق: 2014-06-28 06:59:08
التاريخ: 1/9/1435هـ الموافق: 2014-06-28 00:55:45
التعليقات