الفائدة التاسعة والستون: توجع القرطبي .. وكأنه يتحدث عن أيامنا هذه!
هذا توجع من القرطبي من مصائب نزلت في زمانه، وكأنه يتحدث عن أحوالنا في هذا الزمان! وإنني لأرجو من جميع الإخوة أن ينشروها في كل وسيلة تقنية ما استطاعوا؛ لعل الله أن ينفع بها:
قال رحمه الله في تفسيره (3/ 255):
"وفي قولهم رضي الله عنهم: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ...}[البقرة: 249] الآية؛ تحريض على القتال واستشعار للصبر، واقتداء بمن صدق ربه.
قلت: هكذا يجب علينا نحن أن نفعل!
لكن الأعمال القبيحة، والنيات الفاسدة؛ منعت من ذلك! حتى ينكسر العدد الكبير منا قدام اليسير من العدو كما شاهدناه غير مرة، وذلك بما كسبت أيدينا!
وفى البخاري: وقال أبو الدرداء: (إنما تقاتلون بأعمالكم) وفية مسند أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم".
فالأعمال فاسدة، والضعفاء مهملون، والصبر قليل، والاعتماد ضعيف، والتقوى زائلة!
قال الله تعالى: {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ}[آل عمران: 200]، وقال: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا}[المائدة: 23]، وقال: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}[النحل: 128]، وقال: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}[الحج: 40]، وقال: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[الأنفال: 45].
فهذه أسباب النصر وشروطه، وهي معدومة عندنا غير موجودة فينا، فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما أصابنا وحل بنا!
بل لم يبق من الإسلام إلا ذِكره، ولا من الدين إلا رسمه؛ لظهور الفساد، ولكثرة الطغيان، وقلة الرشاد؛ حتى استولى العدو شرقاً وغرباً، براً وبحراً، وعمت الفتن وعظمت المحن، ولا عاصم إلا من رحم!" انتهى كلامه رحمه الله.