شكر وفرح - خطبة عيد الفطر 1438هـ

QR code
أ. د. عمر المقبل
تاريخ التحديث: 2018-06-13 05:05:51

خطبة عيد الفطر عام 1438هـ ([1])

شكر وفرح 

 

الحمد لله الذي سهل لعباده طرق العبادة، ويسر، وتابع لهم مواسم الخيرات، لتزدان أوقاتهم بالطاعات وتُعْمر، فما انقضى شهر الصيام حتى حلت شهور حج بيت الله المطهر، نحمده على أسمائه الحسنى، وصفاته العليا، ونعمه التي لا تنحصر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الأحد الصمد المتفرد بالخلق والتدبير، وكل شيء عنده بأجل مقدر، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أنصحُ من دعا إلى الله وبشرَ وأنذر، وأفضل من تعبد لله وصلى وزكى وصام وحج واعتمر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما بدا الصباح وأنور، وسلم تسليما([2]).

أما بعد: فأوصيكم ونفسي ـ أيها المسلمون ـ بتقوى الرحمن، فهي خير ما يتجمل به الإنسان.

الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله. والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد

أيها المسلمون:

اشكروا الله ربكم الذي هداكم لهذا الدين الذي لا دين أكملَ منه في تكامل العناية بالروح والجسد، والعقل والعاطفة.. اشكروا الله أن هداكم إلى هذا الدين الذي ضلّ عنه أكثر الناس، وهذا المعنى بعينه هو ما ختم الله به آيات الصيام: ﴿ولِتُكْملوا العِدّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون﴾ [البقرة: 185].

دينٌ مبني على عقيدة صحيحة راسخة، تورث العبدَ الطمأنينةَ والراحة، بل والفخر، حين يمتلئ قلبُه إيماناً بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشرّه.. تلكم العقيدة التي تتحطم عليها رياح الشبهات، وتتكسر دونها أمواج الشهوات.

وشكرُ الله كما يكون بالقول، فهو بالعمل أبلغ، وخير أعمالنا الصلاة، وتمام شكر الله فيها: إقامتها في وقتها حيث أمر الله أن تقام: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ...﴾ [النور: 36 - 37].

حافظوا عليها، واحذروا من تضعييها فتكونوا ممن قال الله فيهم: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا﴾ [مريم: 59، 60].

وهكذا بقية أركان دينكم، حافظوا عليها، فمن لم يحافظ على أركان الإسلام ضاق صدره بفروعه، وصعب عليه القيام به.

الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد

أيها المسلمون:

هذا يوم من أيام الله المباركة، يفرح فيه أهل الإيمان بتمام نعمة الله عليهم بإكمال الصيام والقيام، ويسألونه أن يتمم بالقبول، ولسان حال كل واحد منهم: "اللهم كما سلمتني لرمضان، فتسلمه مني متقبلاً"([3]).

وهو يوم يتعبد فيه المسلمُ لله فيه بالأكل والشرب، كما كان يتعبد بالأمس بالصوم؛ ليعيش المسلم أيامه متقلبًا في أنواع من العبودية، فيكون حاله كما قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 162].

إخوة الإسلام: إن يومكم هذا يوم ارتبط بالفرحة والسرور، فلا ينبغي أن نحوله يوم مناحة وبكاء على أحوال المسلمين، نعم.. إن من حق إخواننا علينا في أصقاع الأرض ألا ننساهم، وأن ندعوا لهم، وأن نساهم ما استطعنا في تخفيف مصابهم، لكن ـ أيضاً ـ لا يصح أن نكدر هذه الفرحة بالعيد ـ والتي هي من الدين أيضا ـ باجترار المصائب في أيام الأفراح، قال ابن حجر رحمه الله: "إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين"([4]).

وفي مسند الإمام أحمد ـ بسند حسن([5])ـ من حديث عائشة قالت: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذقني على منكبيه؛ لأنظر إلى رمي الحبشة حتى كنتُ التي مللتُ فانصرفت عنهم، قالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: "لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أُرسلت بحنيفية سمحة".

افرحوا بعيدكم تعبداً لله، ولا تجعلوه كسائر أيامكم، "إن العيد - في حقيقته - عيد القلب، فإن لم تملأ القلوبَ المسرّةُ ولم يُتْرِعْها الرضا ولم تَعُمَّها الفرحة كان العيد مجرَّد رقم على التقويم"([6])، "وقبل أن نلبس الجديد لنجعل العيد يلبسنا، ولا ننس زينة قلوبنا"([7])!

تبادلوا ألفاظ الدعاء والتهنئة؛ لترتفعوا فوق منازعات الحياة

وجاذبيات التراب.

يومكم هذا يومٌ شُرع لكم فيه لبس الثياب الجديدة؛ إشعاراً للجميع بالتجديد، فلا معنى فيه للأخلاق البالية من القطيعة والقسوة.

إنه يوم الثياب الجديدة؛ التي تقول: كما ظهرتم بزينتكم الظاهرة فلتكن قلوبكم متزينة كذلك، وترجموها بالكلمة الطيبة.. والابتسامة الجميلة..

إنه يوم نتعلم فيه من الأطفال دروساً في الاستمتاع بالعيد.. فهم السهولةُ قبل أن تتعقد..

الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد

أيها المسلمون:

ثمةَ أمرٌ يتأكد التنبيه عليه في هذا اليوم المبارك، وهو جرحٌ يتجدد في كل سنة مع تلك الرسائل التي تصلني وتصل غيري عن علاقات اجتماعية تصرّمت بين أقارب من الدرجة الأولى: والد وولد، وبين أخٍ مع أخيه، فضلا عما هو أبعد من ذلك!

وإذا تأملت وفتشت وجدت أن الأسباب غالباً تدور على أمور دنيوية، أو أشياء يمكن تجاوزها، وغض الطرف عنها، أو إصلاحها.

أتحدث عن هذا ـ أيها الإخوة ـ والألم يعتصر القلب من أخبار ورسائل ـ وآخرها البارحة رسالة ـ قطيعة بين أخٍ وأخته ـ سنوات لا يسلِّم بعضُهم على بعض! 

فليت شعري إذا لم يجتمع المتقاطعون والمتهاجرون في العيد فمتى؟

أيسرهم أن يحرموا من ذلك الفضل الذي حدّث به النبي صلى الله عليه وسلم ـ كما في الصحيح ـ: "تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين، ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظِروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا([8])"؟!

الدنيا ـ كلها أيتها المتخاصمون ـ لا تساوي عند الله جناح بعوضة، فبالله ما نصيبكم من هذا الجناح؟

ألم تسمعوا قوله صلى الله عليه وسلم ـ كما في الصحيحين ـ: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان: فيُعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام"([9]).

ومن المحزن أن بعض الناس يظن أن العفو يُنقص من قدره وقيمته، وهذا وهمٌ كبير ردّه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا"([10]).

أين هؤلاء عن يوسف عليه السلام، الذي ـ لقي من الأذى ما لقي ـ فأعلنها مبتغيًا أجره من الله: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين﴾ [يوسف: 92]؟

وأين هم عن قدوتهم محمد صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، ورؤس الكفر بين يديه، يستطيع ضربها رأساً رأساً، ويقول لهم: «يا معشر قريش! ما تقولون؟» قالوا: نقول: ابن أخ، وابن عم رحيم كريم، ثم عاد عليهم القول، فقالوا مثل ذلك، قال: "فإني أقول كما قال أخي يوسف: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين﴾.

فليتذكر المتخاصمون عزّ يوسف في مقام العفو، وذلّ إخوته في مقام الخطأ، وكيف أبقى الله عز وجل ذكر يوسف إماماً يقتدي به كل مؤمن.

القرابة ـ يا عباد الله ـ ليست علاقة صداقة تنهيها حين يخل الصديقُ بحق الصداقة.. القرابة دم يجري في العروق..!

إن من يجعلون مقاييس العلاقة بين الأقارب مقاييس تشبه الحساب المصرفي أودِع واسحَب، وعلى مبدأ: إن زرتني زرتك.. وإن أعطيتني أعطيتك..! فلن يحصد هؤلاء سوى جفاف المشاعر، وقد تنصرم الحبال بعد وقت! وصدق صلى الله عليه وسلم: "ليس الواصل بالمكافئ"([11]).

القرابة ليست أسماءً مرصوصة في بطاقة الأحوال، أو شجرة العائلة.. القرابة أعمق من ذلك بكثير.. القرابة تعني الرحم التي جمعتكم.. والعيش وذكريات الصبا.. وحق الوالدين أو أحدهما ممن جمعكم بهم الحقّ.

فاتقوا الله ـ أيها المسلمون ـ وبلّوا أرحامكم وصلوها وصلكم الله.

وعلى صعيد آخر مما ينبه عليه في هذا المقام: ألا وهو أهمية تجنب أساليب العتاب على الأحبة والأقارب في هذه الأيام السعيدة، فإن مما ينغص بعض الاجتماعات: فشوّ تلك الأسئلة المحمّلة بالعتاب، واللوم على التقصير في الزيارة والصلة.. دعو هذا العتاب ليوم آخر، أو عبّروا عنه بعبارة تقرّب ولا تنفّر، مثل: مشتاقون.. سعدنا برؤيتك.. لا تبطئ علينا.. فاستمتعوا بالعيد.. ولا تنغصوه.

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأقوال والأعمال.. لا يهدي لأحسنها إلا أنت.. وقنا شح أنفسنا، والحمد لله رب العالمين

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة


الخطبة الثانية

 

الحمد لله معيد الجمَع والأعياد، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جامعِ الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خيرة الله من العباد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم قيام الأشهاد، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: فيا أيها المسلمون والمسلمات:

يومكم هذا يوم شكر لله عز وجل، وهو يومٌ رُخّص فيه شيء من اللهو واللعب، خاصةً لمن جُبلوا على حبه من النساء والصبيان، وإذا ذُكر اللهو واللعب في الأعياد، فإن ذلك ـ ضرورةً ـ لا يعني التفلت على أمر الله، بل المراد بذلك هو الترخص بذلك في حدود ما أذن الله فيه! فما بال البعض يعلن تمرُّده على أوامر الله منذ أن يخرج الشهر المبارك، بل وفي ليلة العيد ـ عياذاً بالله ـ ؟!

ألم يعلم هؤلاء أن رب الشهور واحد؟ وإذا كان هذا مذموماً من كل مسلم، فهو ممن وُفّق للطاعة، وذاق لذتها أشد!

خرج الإمام سفيان الثوري يوم عيد مع أصحابه فقال: "إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا غض البصر"([12]).

الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد

معشر المسلمات:

إن من الشكر في حقكن: أن تلتزمن بأدب الإسلام الذي أدب به أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن: ﴿فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [الأحزاب: 32، 33].

معشر المسلمات: أنتن أنتن إن كنتن قانتات تائبات عابدات، صادقات، صابرات، خاشعات، متصدقات، صائماتٍ، حافظات لفروجكن، ذاكرات لربكن كثيراً ... ماذا تريد المرأة المسلمة أكثر من دخول الجنة؟

إن ذلك ليسير على من يسره الله عليها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت"([13]).

أَمَةَ الله:

كثرت الشكوى ـ في السنوات الأخيرة ـ من توسع كثير من النساء في الملابس التي لا تليق بالمرأة المسلمة المحتشمة، حتى صار الأمر ـ وللأسف الشديد ـ خارجاً عن حدّ الحياء، حتى قالت لي إحدى الأخوات: والله لقد رأينا في ألبسة بعضهن ما تستحي المرأة أن تلبسه إلا في بيت زوجها، وتقول الأخت: لقد صارت اللاتي يلبسن اللبس الضافي الساتر ـ في بعض المناسبات ـ كالغريبات! وصار هذا التوسع الخارج صار سببًا في هجر عدد من النساء لاجتماعات عوائلهن.. فاتقي الله ـ يا أمة الله ـ وكوني عوناً على بقاء الحياء في مجتمعك، فإن الحياء عطر الحياة.. وأي قيمة للمرأة إذا ذهب حياؤها؟ والبسي ما تشائين مما أباح الله، مع الالتزام باللباس الذي يزينك ولا يشينك، وكوني قدوة حسنةً في هذا، فعيون الأطفال والناشئات ترقب لبس كبارهن.

والخِطاب أيضاً يوجه للرجال ـ الذين جعلهم الله قوامين على النساء ـ أن يتقوا الله ويكونوا قوامين حقاً، فإن النساء اللاتي يجتمعن في الأعراس والمناسبات هن بناتكم وأخواتكم وزوجاتكم.

الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد

أيها المسلمون: ليس لعبادة الله زمن محدد، ولا مكان معين، فمنتهى العمل هو الموت: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر: 99].

وإن استدامة الطاعة من أهم أسباب الثبات على الدين، وزوال الخوف والحزن عن القلب، وهي بشارة مبكرة ـ بإذن الله ـ لدخول الجنة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [فصلت: 30].

ومن نعمة الله علينا أن شرع لنا فرصاً مختلفة للاستكثار من أعمال الخير، وخصال البر، ومن ذلك: صيام الست من شوال ففي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال، كان كصيام الدهر"([14]).

ومن كان عليه أيام من الشهر فإن الأكمل أن يقضي أولاً، ولو بدأ بالست قبل القضاء جاز في قول كثير من أهل العلم، لكنه خلاف الأكمل، كما أنه لا يلزم صوم الستّ متتابعة، بل يجوز صومها متفرقة، وهي سنة لا تلزم من صامها سَنةً من السنوات أن يصومها كل عام وكأنها صوم منذور، لكن المؤمن يحرص على فرص الخير هذه.

الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد

إخوة الإسلام:

لقد كان من هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم أنه إذا خرج يوم الفطر من طريق عاد من طريق أخرى ـ كما في البخاري من حديث جابر رضي الله عنه ـ  فاحرصوا على تلمس السنة، وإظهار شعائر الله تعالى؛ ففي ذلك تزكية نفوسكم، ورفعة درجاتكم.

ختاماً: أيها المسلمون.. ها أنتم أتيتم إلى هذا المصلى، وغدا آخرون إلى مصليات أخرى في أمنٍ وأمانٍ، واستقرار في الأوطان، ورغد في العيش، لا تسمعون صوت مدافع، ولا يرعبكم تحليق طائرات فوقكم، ولا تتوقعون أن يفجأكم كمين، كما يترقبه إخوان لنا في بعض بلاد الإسلام التي خيّم عليها شبح الحرب، وتسلط عليهم بعضُ الطغاة، وهذه نعمة كبرى، ومنّةٌ عظمى، تستوجب الشكر، ولا شيء يحفظ الأمن كالاستقامة على الشرع، والحرصِ على جمع الكلمة، والالتفافِ حول ولاة الأمور، والسمع والطاعة لهم بالمعروف، وقطْعِ الطريق على المرجفين والمخذّلين، والذين يستهدفون هذه البلاد الآمنة، التي شرفها الله وأكرمها بنعم كثيرة، على رأسها رعاية الحرمين الشريفين، وهذا الأمن الذي بسط رواقه على أراضيها الشاسعة، فيسير الراكب الآلاف الكيلومترات دون أن يخاف.. هذا الأمن والاجتماع الذي أقضّ مضاجع الحاقدين، فعمدوا إلى محاولة زعزعته وتوهين حباله، ومن آخر جرائمهم ما وقع في البلد الحرام في مكة شرفها الله، فلم يرعوا حرمةً كان المشركون في الجاهلية يرعونها.. ولا أظنُّ شاباً فضلاً عن عاقل يغتر بعد اليوم بمنهج هؤلاء الخوارج المارقين، ففي العام الماضي ـ وفي نفس التوقيت ـ استهدفوا الحرم النبوي الشريف.

نسأل الله تعالى أن يديم على هذه البلاد ـ وسائر بلاد الإسلام ـ أمنها واستقرارها، وأن يحفظ عيوننا الساهرة على الثغور الخارجية على الحدود، وعيوننا الساهرة على الأمن داخل البلاد، ويبارك في جهودهم في حفظ الحدود، وضبط الأمن.. اللهم من كاد بلادنا وأمننا وأئمتنا بسوء فأشغله بنفسه، وردّ كيده في نحره.

اللهم آمنا في أوطاننا ... واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك.

اللهم إنا نسألك كما أكرمتنا ببلوغ رمضان أن تمنّ علينا بقبول ما وفقتنا فيه من أعما على تقصير منا، واجعل شهرنا شاهدا لنا عند قيام الأشهاد.

اللهم أعد علينا هذا العيد معاد الخير، واغفر لمن سبقونا إلى الدار الآخرة، واجعل قبورهم روضة من رياض الجنة.

اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد...

 




([1])خطبة عيد الفطر عام 1438هـ والتي ألقيت في مصلى العيد بالخالدية في محافظة المذنب.

([2]) انظر: "الضياء اللامع" لشيخنا العثيمين رحمه الله (2/ 179).

([3]) انظر: حلية الأولياء (3/ 69).

([4])  فتح الباري لابن حجر (2/ 443).

([5]) كما يقول ابن حجر رحمه الله في تغليق التعليق (2/43)، وقد رواه البخاري تعليقاً.

([6]) صور وخواطر للطنطاوي ص(362).

([7])  هذه الجملة للدكتور خالد الدريس.

([8])  صحيح مسلم ح(2565).

([9]) متفق عليه: البخاري ح(6077)، مسلم ح(2560).

([10])  صحيح مسلم ح(2588).

([11]) صحيح البخاري ح(5991).

([12]) حلية الأولياء 7/23 .

([13]) صحيح ابن حبان ح(4163).

([14]) صحيح مسلم ح(1164).

  • الكلمات الدالة
36245 زائر
0 | 0
المقال السابق
المقال التالى

هذا ولي الله


روابط ذات صلة
إن للحافظ ابن رجب : (ت: 795هـ) كتاباً بديعاً حافلاً بالفوائد، اسماه "لطائف المعارف"، جمع فيه من العلوم والفوائد المتعلقة بالشهور والأيام ما تَقرّ به عينُ طالب العلم، وراغب الفائدة. ومِن جملة هذه الفصول التي تحدث فيها؛... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:25:00
د. عمر بن عبد الله المقبل
أيها الإخوة في الله: إن نهاية الأعوام، وبداية السنوات لها في النفس أثرٌ معنوي، ودلالات معينة، وهي تختلف من شخص لآخر بحسب دينه، وبحسب نظرته للحياة، إلا أن المسلم الفطن -وهو يعيش أواخر عام وبدايات آخر- يتعامل مع هذه... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:24:07
د. عمر بن عبد الله المقبل
ففي مثل هذه الأيام من كل عام تتوارد الأسئلةُ على أهل العلم عن حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد. وكالعادة - في مثل هذه المسائل التي لا نص فيها- يقع الاختلاف بين أهل العلم، والأمر إلى هذا الحد مقبول؛ لكن أن يجعل ذلك من... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:23:36
أ.د. عمر بن عبدالله المقبل
إن المقام ليس مقام حديثٍ عن مزايا هذا التاريخ، بل هي نفثة مصدور مما أراه من استفحال التعلق بالتاريخ الميلادي إلى درجة ربط الشعائر الدينية به! ولو تأمل الإخوةُ -الذين يضعون تلك الوسوم (الهاشتاقات)- ما فيها من التناقض... المزيد
التاريخ: 28/12/1440هـ الموافق: 2019-08-29 06:54:23
د. عمر بن عبدالله المقبل
ومن المهم جداً ـ ونحن نتحدث عن هذه الصور وغيرها كثير ـ أن يكون أداؤها وفعلُها بلا مِنّة، بل بنفْسٍ منشرحة، تشعر بأن المنَّة كلَّها لله؛ أن جعل يدَه هي العليا المنفقة الباذلة، وأن يستشعر أنه لولا فضلُ الله لكان في مكان... المزيد
التاريخ: 29/11/1440هـ الموافق: 2019-08-01 07:42:10
د. عمر بن عبد الله المقبل
لقد طُرِقتْ هذه المسألةُ كثيراً، لكن مع تكرُّر الشكوى من المصائب، وتجدد الهمومِ والمنغّصات؛ كان تقريبُ كيفية تلقّي هذه الأقدار المؤلمة مِن الأهمية بمكان، مستفيداً من نصوص الوحيين، وكلام العلماء والعقلاء، وقد نظمتُها... المزيد
التاريخ: 18/11/1440هـ الموافق: 2019-07-21 08:25:37
التعليقات