الفائدة 172: قصة مؤثرة لأبي بكر الضرير
يقول الصفدي رحمه الله:
"ونقلت من بعض المجاميع: قال بعض السادة:
كنا في جنازة -وحضرها معنا الشيخ أبو بكر الضرير- وبين يدي الجنازة صبيانٌ يبكون ويقولون: من لنا بعدك يا أبَه؟ فلما سمعهم أبو بكر يقولون ذلك؛ قال: الذي كان لأبي بكر الضرير! فسألته عن سبب ذلك؟ فقال: كان أبي من فقراء المسلمين، وكان يبيع الخزف، وكانت لي أخت أسن مني، وكنت قد أتي عليّ في بصري، فانتبهت ليلة فسمعت أبي يقول لأمي: أنا شيخ كبير، وأنت أيضاً قد كبرت وضعفت. وقد قرب منا ما بعد. ثم أنشد:
وإن أمرءاً قد سار خمسين حِجة ** إلى منهل من ورده لقريب
وهذه الصبية تعيش بصحة جسمها وتخدم الناس، وهذا الصبي ضرير، قطعة لحم! ليت شعري! ما يكون منه؟ ثم بكيا وداما على ذلك وقتاً طويلاً من الليل، فأحزنا قلبي، فأصبحت ومضيت إلى المكتب([1]) على عادتي، فما لبثت إلا يسيراً إذ جاء غلام للخليفة، فقال للمعلم: السيدة تسلِّم عليك وتقول لك: قد أقبل شهر رمضان وأريد منك صبياً دون البلوغ، حسن القراءة طيب الصوت، يصلي بنا التراويح؛ فقال: عندي من هذه صفته، وهو مكفوف البصر، ثم أمرني بالقيام معه، فأخذ الرسول بيدي وسرنا حتى وصلنا الدار، فاستأذن علي؛ فأذنت السيدة لي بالدخول، فدخلت وسلمت، واستفتحت وقرأت، بسم الله الرحمن الرحيم، فبكت، واسترسلت في القراءة، فزاد بكاؤها، وقالت: ما سمعت قط مثل هذه التلاوة! فرق قلبي فبكيت، فسألتني عن سبب ذلك؟ فأخبرتها بما سمعت من أبي، فقالت: يا بني! يكون ذلك من لم يكن في حساب أبيك، ثم أمرت لي بألف دينار، فقالت: هذه يتجر بها أبوك ويجهز أختك، وقد أمرت لك بإجراء ثلاثين ديناراً في كل شهر، إدراراً، وأمرتْ لي بكسوة وبغلة مسرجة ملجمة وسرج محلي، فهو سبب قولي جواباً للصبيان عند ما قالوا: من لنا بعدك يا أبه.
["نكث الهميان في نكت العميان": ص31]