هل من زكاة يا خريج الحلقات؟

QR code
د. عمر بن عبد الله المقبل
تاريخ التحديث: 2014-07-02 05:35:40

هل من زكاة يا خريج الحلقات؟


 

في نهاية كل عام دراسي تنتشر تلك الإعلانات المبهِجة، التي تحمل خبر تخرّج عشرات بل مئات الحفاظ من طلاب حلقات ودُور تحفيظ القرآن.

ويُقَارِنُ هذا الشعور ـ أحياناً ـ تساؤل ممزوج بشيء من الألم عن أثر هذا الإنتاج الراجع على حلقات التحفيظ في مساجدنا، ودُورنا النسائية، وأعني تحديداً: قلّة من يجلس من هؤلاء الخريجين "المؤهَّلين" ليُعلّم كما تَعَلّم، وليخرّج لنا أجيالاً كما فعلَ أشياخه.

إنني ـ وبحكم قربي من هذه الجمعيات المباركة، وإشرافي على أحد مجمعات التحفيظ ـ أشارك إخواني المسؤولين في الشكوى من قلّة المدرسين المواطنين الذين لديهم استعداد لملء الأمكنة الشاغرة في هذه الوظيفة المهمة.

وليكون الحلّ عملياً؛ فعلينا أن نحدد أهم أطراف المشكلة، وهما: الخرّيج (ذكر/أنثى)، والطرف الآخر: الجمعية المشرفة على الحلقات والدور.

أما ما يخص الطالب والطالبة؛ فإن غالب ما يعتذر به هؤلاء عن عدم تدريسهم، وصبرهم: انشغالهم بأمورهم الخاصة، أو حصولهم على وظيفة تضطرهم للنقل إلى بلد أخرى، ونحو ذلك من الأعذار التي تعود في غالبها لأمور اقتصادية، من أبرزها: ضعف مرتب المدرس السعودي ـ من الجنسين ـ عطفاً على احتياجاته المناطة به، فهو يتساءل  كما تتساءل الأخت: ماذا تصنع 500 أو 700 ريال، للمُدَرّس أو المدرسّة؟ وإن زادت فهي 1000 ريال تقريياً، في ظلّ هذا الارتفاع العالمي في الأسعار؟ ولئن كانت المرأة ـ غالباً ـ تَنْتَظِرُ النفقةَ عليها؛ فإن الشاب يُنْتَظرُ منه الإنفاق على أهله وزوجه وأولاده!

ولئن كان المدرِّس من إخواننا الوافدين قد يتكيّف إلى حد كبير، ويتخفف من كثير من القيود الاجتماعية؛ فابن البلد ليس كذلك، ومقارنته من جهة الرواتب بالمدرس الوافد ليس عدلاً.

وأما ما يخصُّ الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن: فيجبُ الاعتراف بأن الرواتب التي تقدَّم للمدرسين عموماً، وللسعوديين منهم خصوصاً ضعيفة، خاصة وأنها لم تراعِ في غالب الأحيان المتغيرات الاقتصادية العالمية التي ارتفعت معها الأسعار بشكل يصل إلى ثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل نحوٍ من عشرين عاماً، فإذا ما خوطب مسؤول في أحد هذه الجمعيات؛ شكا من ضعف الدعم، وقلّة المداخيل التي تساعد على رفع الرواتب!

ولحل هذه القضية: فإنني أقترح ما يلي:

أولاً: أن لا يُعطى الطالب/ـة شهادة إجازة، إلا بعد أن يدرس لمدة سنة في المكان الذي تخرّج فيه، وتكون هذه المدة بمثابة شهادة خبرة عملية تؤهله للعمل في الميدان.

ولهذه السنة أثرٌ معنوي ـ بالإضافة إلى الأثر الحسيّ ـ وهو شعور الطالب بالانتقال من صف الطلاب إلى مستوى المدرسين، ويذوق لذة التعليم، وتكون سبباً في انطلاقه للتعليم، سواء في نفس المكان الذي تخرّج فيه، أو حيث تقتضي المصلحة وجوده.

ثانياً: يُربَط توظيف الشباب السعودي بهذه الوظيفة ـ بعد أن تثبت صلاحيته لذلك ـ بنظام الوظائف الرسمي، أو أي نظام يضمن له احتساب هذا من سنوات الخدمة في الدولة، فإن ما تقوم به جمعيات تحفيظ القرآن من حفظ لشباب الأمة من المنزلقات الفكرية والسلوكية = لا ينكره منصِف، وهو يَصبُّ في المقاصد الشرعية للدولة المسلمة.

وما دامت الدولة حريصةً على سعودة الوظائف؛ فلتكن هذه الوظيفة من الوظائف التي تحتسب للتجار ورجال الأعمال، بأن يتحمل راتب هذا الشاب الذي تُشرِف عليه الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن، وبهذا يمكن كفالة آلاف من الطلاب السعوديين، فضلاً عن دفعهم للانخراط في وظيفة من أشرف الوظائف "تعليم القرآن".

ثانياً: مخاطبة التجار وذوي اليسار بتحمل كفالة عدد من المدرسين لمدة عام أو أكثر، واستثمار الأوقاف الشخصية التي يوقفها كثيرٌ من الناس على أبواب البر، فتخاطِب الجمعيات من له وقف (سبيل) في أوجه الخير أن يخصص منه كفالةً لمدرس، أو نصف مدرس.

ثالثاً: أن تتبنى الدولة ـ وفقها الله ـ إيجاد وقفٍ كبير في كلّ منقطة خاصٍ بتعليم القرآن، تشرف عليه الوزارة  المعنيّة بذلك، فهذا سيكون له أثرٌ عظيم في تحسين دخول الجمعيات، والعاملين فيها.

وبعدُ: فإنني أدرك أن المشكلة أكبر من حصرها في سبب، وأن مثل هذا الموضوع يحتاج إلى لقاءات جادة تسعى لحل المشكلة، لكنني مؤمن أيضاً بأن ثمة ما هو أكبر وأقوى من هذه العقبات، إذا وُجد= فإنه سيكْسِرُ كثيراً من الحواجز والعوائق، إنه حملُ الهمّ لتبليغ هذا الدين، والسعيِ لإدخال طالبٍ أو أكثر في رصيده الأخروي، رجاءةَ هذا الطالب أو الطالبة يكون من خير أعماله التي يلقى اللهَ بها.

ولو أخذ كلُّ خرّيج وخريجة على نفسه ألا يغادر هذه الحياة إلا وقد حفّظ طالباً للقرآن؛ لتضاعف العدد كثيراً، ولحصلت الكفاية بإذن الله.

إن مما يرفع الهمّة: قراءة سِيَر السلف في الصبر على تعليم القرآن، وأرشِّح لأهل القرآن كتاب الحافظ الذهبي: "معرفة القراء الكبار"، ففيه من أخبار القرّاء ما يرفع الهمم، لعلّ الله أن يرينا في إخواننا وأخواتنا الخرّيجين ما تقرّ به العين، وينشرح به الصدر.

 

  • الكلمات الدالة
6671 زائر
0 | 0
المقال السابق

مسالك الهوى

المقال التالى

يا خمسون ألف خريج !


روابط ذات صلة
إن للحافظ ابن رجب : (ت: 795هـ) كتاباً بديعاً حافلاً بالفوائد، اسماه "لطائف المعارف"، جمع فيه من العلوم والفوائد المتعلقة بالشهور والأيام ما تَقرّ به عينُ طالب العلم، وراغب الفائدة. ومِن جملة هذه الفصول التي تحدث فيها؛... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:25:00
د. عمر بن عبد الله المقبل
أيها الإخوة في الله: إن نهاية الأعوام، وبداية السنوات لها في النفس أثرٌ معنوي، ودلالات معينة، وهي تختلف من شخص لآخر بحسب دينه، وبحسب نظرته للحياة، إلا أن المسلم الفطن -وهو يعيش أواخر عام وبدايات آخر- يتعامل مع هذه... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:24:07
د. عمر بن عبد الله المقبل
ففي مثل هذه الأيام من كل عام تتوارد الأسئلةُ على أهل العلم عن حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد. وكالعادة - في مثل هذه المسائل التي لا نص فيها- يقع الاختلاف بين أهل العلم، والأمر إلى هذا الحد مقبول؛ لكن أن يجعل ذلك من... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:23:36
أ.د. عمر بن عبدالله المقبل
إن المقام ليس مقام حديثٍ عن مزايا هذا التاريخ، بل هي نفثة مصدور مما أراه من استفحال التعلق بالتاريخ الميلادي إلى درجة ربط الشعائر الدينية به! ولو تأمل الإخوةُ -الذين يضعون تلك الوسوم (الهاشتاقات)- ما فيها من التناقض... المزيد
التاريخ: 28/12/1440هـ الموافق: 2019-08-29 06:54:23
د. عمر بن عبدالله المقبل
ومن المهم جداً ـ ونحن نتحدث عن هذه الصور وغيرها كثير ـ أن يكون أداؤها وفعلُها بلا مِنّة، بل بنفْسٍ منشرحة، تشعر بأن المنَّة كلَّها لله؛ أن جعل يدَه هي العليا المنفقة الباذلة، وأن يستشعر أنه لولا فضلُ الله لكان في مكان... المزيد
التاريخ: 29/11/1440هـ الموافق: 2019-08-01 07:42:10
د. عمر بن عبد الله المقبل
لقد طُرِقتْ هذه المسألةُ كثيراً، لكن مع تكرُّر الشكوى من المصائب، وتجدد الهمومِ والمنغّصات؛ كان تقريبُ كيفية تلقّي هذه الأقدار المؤلمة مِن الأهمية بمكان، مستفيداً من نصوص الوحيين، وكلام العلماء والعقلاء، وقد نظمتُها... المزيد
التاريخ: 18/11/1440هـ الموافق: 2019-07-21 08:25:37
التعليقات