بشائر النصر 2 - 3

QR code
د. عمر بن عبد الله المقبل
تاريخ التحديث: 2014-06-28 08:05:27

بشائر النصر (2/3)


كنتُ أشرتُ في الجزء الأول من هذه المقالة http://almuqbil.com/play-3817.html  إلى أن بثّ الفأل والبشائر منهج قرآني ونبوي، وأن المبشرات في عصرنا كثيرة جداً، وكانت البداية بالمبشرات التي يقرؤها المسلم من خلال السنن الإلهية، ونواصل في هذا الجزء بقية المبشرات:


ثانياً: مبشرات من أرض الواقع:

وقبل أن أذكر هذه المبشرات، أجد أنه من المهم أن نستصحب - في أذهاننا - الحالة التي كانت تعيشها الأمة الإسلامية في القرن الماضي، بل في القرنين الماضيين، والتي بلغت فيهما أحوال المسلمين من الضعف العقدي، والعلمي، والسياسي، والعسكري، والاقتصادي، والاجتماعي؛ مبلغاً لم يُعرف في زمن مضى، كما يقول أبو الحسن الندوي رحمه الله([1])، وكما يثبته بالأمثلة الواقعية: د.علي الزهراني في أطروحته القيمة: "الانحرافات العقدية والعلمية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين وأثرهما في حياة الأمة"([2])، وهي رسالة قيّمة.

إن من المؤكد أن سقوط الخلافة الإسلامية كان مؤشراً قوياً على نهاية الضعف الذي أصاب هذه الأمة، ومع نهاية هذا الضعف فإن من المحزن أن بعض أبناء الأمة  اشتغل في نجارة نعشها حتى سقطت! وقد صاحب سقوطها مؤشرات قوية على حدوثه، منها:

- دخول الاستعمار بلاد الإسلام.

- واستبدال الشريعة الإسلامية بالقوانين.

- ونزع المرأة المسلمة حجابها ودوسه بقدميها في بعض البلاد.

- وصارت الحركة العلمية في ذينك القرنين ضعيفة جداً؛ بدليل: قلة المؤلفات الجيدة في هذه الفترة، ولم تكن دروسُ العلم في المساجد بذاك الحضور القوي المؤثر في الساحة، حتى صار بعض المسلمين يدرس الشريعة واللغة العربية في بلاد الغرب!

أشرتُ إشارة سريعة جداً لواقع الأمة في القرنين الماضيين؛ ليتضح من خلالها وجه كون ما سأذكره من بشائر مفرحة، وليتبين أن الآمال تولد من رحم الآلام، وأن طلوعَ الفجر لا بد أن يُسبَق بظلمة شديدة.

1) انتشار الحجاب ليس في بلاد الإسلام بل في بلاد الكفر، التي لم يعد مستغرباً أن تُرى فيها المرأةُ المسلمةُ المتحجبةُ، وكأنها تَرُد عليهم بلسان حالها فتقول: أنتم من زينتم لنسائنا نزع الحجاب؟! فهاهو الحجاب يُلْبَسُ في بلادكم!

2) إقبال الشباب المسلم على التدين بمعناه العام: فكم هم الشباب - منذ ثلاثة عقود - الذين يخرج أحدهم من نعيم الدنيا وزهرتها وكلِّ مغرياتها؛ ليعيش حياة الجهاد، وما فيها من عنت ومشقة، يطلب الموت في مظانه، دفاعاً عن هذا الدين؟ ومن رأى الحرمين الشريفين -خاصة في رمضان- رأى ما يبهج النفس، وإقبالُ فئام من الناس على سنّة الاعتكاف من دلائل ذلك أيضًا.

هذه بعض المظاهر التي عرفتها الأمة مع بداية هذا القرن، وإن شئت فقل: مظاهر كانت غائبة في القرنين الماضيين.


ثالثاً: المبشرات العقدية:

1) ففي الوقت الذي كانت كثير من العقائد الفاسدة منتشرة ومطبقة في العالم الإسلامي كالتصوف، نجد اليوم - بحمد الله تعالى - انتشاراً واسعاً للعقيدة السلفية الصحيحة التي تمثل معتقد أهل السنة والجماعة، بل إننا نسمع كل يوم إقبالاً من بعض أهل البدع كالرافضة والإسماعيلية والصوفية  على اعتناق مذهب أهل السنة، وهاهي كتب وأشرطة أهل السنة تنتشر في أصقاع الأرض، وتترجم إلى عدة لغات، وتنشر عبر الإنترنت.

2) سقوط بعض الدعوات المخالفة للإسلام في أسسها وإعلان إفلاسها، كسقوط الشيوعية، وانحسار مد القومية العربية، بل صار بعض دعاة القومية بالأمس يتراجعون اليوم؛ ليكتبوا كتابات إسلامية - وهذا نوع من النصر للإسلام -.

وهاهم بعض من كانوا يعيشون العلمنة يعودون لينتقدوها أشدَّ من نقد بعض من لم يَسِر في طريقها؛ ليساهموا مع غيرهم في كشف أقنعة هؤلاء المنافقين، بل هذه كلمات بعض أساطين الفكر الغربي النصراني - بل حتى اليهودي - في الدفاع عن الإسلام.


رابعاً: المبشرات العلمية:

1) يظهر في هذا الخير العظيم المتمثل في انتشار حلق تحفيظ القرآن وتدبره، والعناية بالسنة: حفظاً ونشراً وشرحاً، وانتشار دروس العلم المتنوعة.

لقد أتى على الناس زمان ليس بالبعيد يقال: إن في المدينة الفلانية حافظاً لكتاب الله، وفي المدينة الفلانية درسٌ علمي، أما اليوم فلا تكاد تخلو قرية من حافظ، ولا تكاد تخلو مدينة صغيرة من درسٍ علمي.

بل تعدى الأمر إلى حلقات النساء، فانتشرت دور القرآن الكريم، وصرتَ تسمع عن عشرات الحافظات، بل صارت بعض النساء يحضرن دروس العلماء، ناهيك عن عناية الكثير منهن بأشرطة الدروس العلمية.

ومن لطيف ما أذكر في هذا - من المواقف التي أجدها ذات دلالة كبيرة في هذا السياق - أنني أذكر أنني اختبرت طفلاً عمره تسع سنوات يحفظ القرآن، والجمع بين الصحيحين، وهو من (بورما)، وليس عربياً!

2) العناية العظيمة سواءً بكتب السلف: طباعةً، وتحقيقاً، وتدريساً، وشرحاً، واختصاراً، أو تأليفُ الكتب المعاصرة التي تقرِّب فهم كتبِ السابقين، أو الدراسات العلمية التي تعالج مشاكل الأمة، وغيرها من مظاهر العناية بالنواحي العلمية، وهذا كله - بعد توفيق الله - نتيجة بروز عدد من الكفاءات العلمية المتخصصة، في جميع علوم الشريعة.

وللحديث صلة إن شاء الله، نستكمل فيها بقية البشائر، في الأسبوع القادم.



([1]) ينظر كتابه القيم: "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟".

([2]) ينظر: (1/11،43)، وينظر الفصل الأول من الباب الثالث (2/115ـ 207)، فهو مهم.

  • الكلمات الدالة
7732 زائر
0 | 0
المقال السابق

بشائر النصر 1 - 3

المقال التالى

بشائر النصر 3 - 3


روابط ذات صلة
إن للحافظ ابن رجب : (ت: 795هـ) كتاباً بديعاً حافلاً بالفوائد، اسماه "لطائف المعارف"، جمع فيه من العلوم والفوائد المتعلقة بالشهور والأيام ما تَقرّ به عينُ طالب العلم، وراغب الفائدة. ومِن جملة هذه الفصول التي تحدث فيها؛... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:25:00
د. عمر بن عبد الله المقبل
أيها الإخوة في الله: إن نهاية الأعوام، وبداية السنوات لها في النفس أثرٌ معنوي، ودلالات معينة، وهي تختلف من شخص لآخر بحسب دينه، وبحسب نظرته للحياة، إلا أن المسلم الفطن -وهو يعيش أواخر عام وبدايات آخر- يتعامل مع هذه... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:24:07
د. عمر بن عبد الله المقبل
ففي مثل هذه الأيام من كل عام تتوارد الأسئلةُ على أهل العلم عن حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد. وكالعادة - في مثل هذه المسائل التي لا نص فيها- يقع الاختلاف بين أهل العلم، والأمر إلى هذا الحد مقبول؛ لكن أن يجعل ذلك من... المزيد
التاريخ: 2/1/1441هـ الموافق: 2019-09-01 05:23:36
أ.د. عمر بن عبدالله المقبل
إن المقام ليس مقام حديثٍ عن مزايا هذا التاريخ، بل هي نفثة مصدور مما أراه من استفحال التعلق بالتاريخ الميلادي إلى درجة ربط الشعائر الدينية به! ولو تأمل الإخوةُ -الذين يضعون تلك الوسوم (الهاشتاقات)- ما فيها من التناقض... المزيد
التاريخ: 28/12/1440هـ الموافق: 2019-08-29 06:54:23
د. عمر بن عبدالله المقبل
ومن المهم جداً ـ ونحن نتحدث عن هذه الصور وغيرها كثير ـ أن يكون أداؤها وفعلُها بلا مِنّة، بل بنفْسٍ منشرحة، تشعر بأن المنَّة كلَّها لله؛ أن جعل يدَه هي العليا المنفقة الباذلة، وأن يستشعر أنه لولا فضلُ الله لكان في مكان... المزيد
التاريخ: 29/11/1440هـ الموافق: 2019-08-01 07:42:10
د. عمر بن عبد الله المقبل
لقد طُرِقتْ هذه المسألةُ كثيراً، لكن مع تكرُّر الشكوى من المصائب، وتجدد الهمومِ والمنغّصات؛ كان تقريبُ كيفية تلقّي هذه الأقدار المؤلمة مِن الأهمية بمكان، مستفيداً من نصوص الوحيين، وكلام العلماء والعقلاء، وقد نظمتُها... المزيد
التاريخ: 18/11/1440هـ الموافق: 2019-07-21 08:25:37
التعليقات