الكلمة في الشبكة العالمية
"الكلمة أمانة" جملةٌ من كلمتين فقط نسمعها وربما ردَّدْناها، لكنها تحمل في طياتها معانٍ كبيرة.
ولئن كانت الكلمةُ في زمن مضى لا تكاد تتجاوز منطقةً قريبةً، وإذا تجاوزت احتاجت زماناً لتصل إلى مناطق بعيدة! فإنها اليوم تصل إلى العالم كلّه في غضون جزء من الثانية من خلال شبكة الإنترنت! التي ساهم ظهورها في قيام ألوان من التواصل بين الناس من خلال المنتديات، والمدونات، ومواقع التواصل الاجتماعي.
وإن الدخول في أمثال هذه الوسائل بأسماء مستعارة جرأ كثيرين على الكتابة والحديث بما يشاءون ويريدون، بل ربما تعدى ذلك إلى عدة محاذير، منها:
1 ـ نشر الفساد العقدي والأخلاقي؛ من خلال الحديث في هذه الموضوعات، أو نقل الروابط التي تتضمن محتوى سيئاً في هذه الموضوعات.
2 ـ التهجُّم والتعدِّي على المسلمين عامّة، وعلى علمائهم ودعاتهم خاصة، بغير حق! والخطأ لا يَسلم منه أحدٌ سوى المعصوم صلى الله عليه وسلم، ولكن من أراد فليكن ردُّه بعلم وعدل.
3 ـ إحياء النعرات الجاهلية التي تنطلق من منطلق قبلي أو مناطقي أو غير ذلك من المنطلقات الجاهلية.
4 ـ السخرية بدين الله وشعائره، أو بحملة هذا الدين؛ لأنهم يحملون دين الله ويدعون إليه! وهذا ضربٌ من ضروب الكفر - والعياذ بالله - كما قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}[التوبة: 65، 66].
إن مثل هذه المحاذير - وغيرها كثير - التي تزداد يوماً بعد يوم؛ لتحتم علينا التواصي بعدة أمور:
أولاً: تقوى الله تعالى فيما يقوله الإنسان وينشره، وأن يتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن العبد ليتكلم بالكلمة، ما يَتبين ما فيها؛ يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب»([1])، وحديث: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالاً([2])؛ يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالاً؛ يهوي بها في جهنم»([3]).
كم من كاتب كتب كلمةً، أو نشر صورة، أو مقطعاً مرئياً، نشره بواسطة معرّفه، أو صفحته في مواقع التواصل، ثم راح وتركها، ولم يتوقع أن تبلغ ما بلغت من الشر؛ فإذا بهذا الشخص يفتح كتابه يوم القيامة فيدهش لكثرة السيئات التي رصدت في صحيفته! فإذا هي نتيجة تسلسل الشر الذي نشأ من كلمات أو تغريدة كتبها، أو رابط نَقَله، لم يُلق له بالاً!
ثانياً: التخفي بالأسماء المستعارة لا يعني التخلص من "أمانة الكلمة" فما يكتبه الإنسان ويسطره محفوظ في صحف الملائكة إلا أن يتوب، وفوق ذلك اطلاع الله تعالى، الذي أنزل في كتابه: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق: 18].
ثالثاً: ليتذكر الكاتب أن ما يسطره قد يبقى سنوات وربما عقوداً! فيا لطول الحسرة إن لم يتدارك العبدُ نفسَه بتوبة قبل موته!
رابعاً: ليتأمل من ضيّع أمانة الكلمة حالَ من رعوا أمانةَ القلم واللسان! فكم شخص لا يملك من العلم إلا قليلاً، لكنه سخّر هذه التقنية لنشر الخير، وأصبح داعية إلى الله! فكتب الله على يده الخير العظيم.
ولعلي - ومن واقع معايشةٍ لهذه التقنية لنحو عقدين من الزمان - أذكر نماذج من هِمم هؤلاء الموفقين:
· الدلالة على المواقع والمواد النافعة؛ سواء كانت مكتوبة أم مرئية أم مسموعة، ونشر عناوينها أو روابطها.
· التصميم الجيد لتواقيع العلماء والدعاة ونشرها في مواقع التواصل الاجتماعي - كتويتر والفيسبوك -.
· تلخيص الدروس والمحاضرات والخطب، أو تفريغها، وعرضها على أصحابها؛ لإعادة تحريرها، ثم نشرها بعد ذلك في كتاب أو مطوية أو غيرهما من الوسائل.
· عمل الخرائط الذهنية لبعض المواد المتشعبة...وغير هذا كثير جداً.
فهنئياً لمن كان مفتاحاً للخير، وويلٌ ثم ويلٌ لمن تتابعت سيئاته عليه بعد وفاته.
ولنختم بخير قول: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}[الزلزلة: 7، 8].
الاثنين 23/3/1434هـ